وهي السنة التاسعة والتسعون وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام، وهي أيضاً سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة مضت من عمارة بيت المقدس، وهي مدة لبثه على العمارة، واستمر بيت المقدس خراباً سبعين سنة، ثم عمر على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وإلى هنا انتهى نقلنا عن كتب اليهود المعروفة بالأربعة والعشرين المتواترة عندهم، وقربنا في ضبط هذه الأسماء غاية ما أمكننا، فإن فيها أحرفاً ليست من حروف العربية، وفيها إمالات ومدات لا يمكن أن تعلم بغير مشافهة، لكن ما ذكرناه من الضبط، هو أقرب ما يمكن، فليعلم ذلك.
ومن تجارب الأمم لابن مسكويه قال: إن بخت نصر لما غزا القدس وخربه وأباد بني إسرائيل، هرب من بني إسرائيل جماعة، قاموا بمصر عند فرعون، فأرسل بخت نصر إلى فرعون مصر يطلبهم منه، وقال: هؤلاء عبيدي، وقد هربوا إليك، فلم يسلمهم فرعون مصر، وقال: ليس هم بعبيدك، وإنما هم أحرار، وكان هذا هو السبب لقصد بخت نصر غزو مصر، وهرب منهم جماعة إلى الحجاز، وأقاموا مع العرب.
من كتاب أبي عيسى: إن بخت نصر لما فرغ من خراب القدس وبني إسرائيل، قصد مدينة صور، فحاصرها مدة، وإن أهل صور جعلوا جميع أموالهم في السفن، وأرسلوها في البحر، فسلط الله تعالى على تلك السفن ريحاً، فغرقت أموالهم عن آخرها.
وجد بخت نصر في حصارها، وحصل لعسكره منهم جراحات كثيرة وقتل، وما زال على ذلك حتى ملكها بالسيف، وقتل صاحب صور، لكنه لم يجد فيها من المكاسب ماله صورة.
ثم سار بخت نصر إلى مصر، والتقى هو وفرعون الأعرج، فانتصر بخت نصر عليه، ومتله وصلبه، وحاز أموال مصر وذخائرها، وسبا من كان بمصر من القبط وغيرهم، فصارت مصر بعد ذلك خراباً أربعين سنة، ثم غزا بلاد المغرب، وعاد إلى بلاده ببابل، وسنذكر أخبار بخت نصر ووفاته. مع ملوك الفرس - إن شاء الله تعالى. وأما بيت المقدس فإنه عمر بعد لبثه على التخريب سبعين سنة، وعمره بعض ملوك الفرس - واسمه عند اليهود كيرش - وقد اختلف في كيرش المذكور: من هو؟. فقيل: دارا بن بهمن، وقيل: بل هو بهمن المذكور، وهو الأصح، ويشهد لصحة ذلك كتاب إشعيا على ما سنذكر ذلك عند ذكر أزدشير بهمن المذكور مع ملوك الفرس إن شاء الله تعالى.
ولما عادت عمارة بيت المقدس، تراجعت إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره، وكانت عمارته في أول سنة سبعين لابتداء ولاية بخت نصر. ولما تراجعت بنو إسرائيل إلى القدس كان من جملتهم عزير وكان بالعراق، وقدم معه من بني إسرائيل ما يزيد على ألفين من العلماء وغيرهم، وترتب مع عزير في القدس مائة وعشرون شيخاً من علماء بني إسرائيل.
وكانت التوراة قد عدمت منهم إذ ذاك، فمثلها الله تعالى في صدر العزير، ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها، فأحبوه حباً شديداً، وأصلح العزير أمرهم، وأقام بينهم على ذلك.
من كتب اليهود: إن العزير لبث مع بني إسرائيل في القدس يدبر أمرهم، حتى توفي