ودهاه، أرسله إِلى المغرب، إِلى أهل كتامة، وأرسل معه جَملة من المال، فسار أبو عبد الله الشيعي إِلى مكة، وهو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا، ولما قدم الحجاج مكة، اجتمع بالمغاربة من أهل كتامة، فرآهم مجيبين إِلى ما يختار، فسار معهم إِلى أرض كتامة من المغرب، فقدمها منتصف ربيع الأول، سنة ثمانين ومائتين، وأتاه البربر من كل مكان، وعظم أمره، وكان اسمه عندهم: أبا عبد الله المشرقي. وبلغ أمره إِلى إِبراهيم بن أحمد الأغلبي أمير إِفريقية إِذ ذاك، فاستصغر أمر أبي عبد الله، واستحقره، ثم مضى أبو عبد الله إِلى مدينة تاهرت، فعظم شأنه، وأتته القبائل من كل مكان، وبقي كذلك حتى تولى أبو نصر زيادة الله، آخر من ملك من بني الأغلب، وكان عم زيادة الله، ويعرف بالأحول، قبالة أبي عبد الله الشيعي، يقاتله، فلما تولى زيادة الله، أحضر عمه الأحول وقتله، فصفت البلاد لأبي عبد الله الشيعي.
اتصال المهدي عُبيد الله بأبي عبد الله الشيعي
كانت الدعاة بالمغرب يدعون إِلى محمد، والد المهدي، وكان بسلمية، فلما توفي أوصى إِلى ابنه عبيد الله المهدي، وأطلعه على حال الدعاة وشاع ذلك أيام المكتفي، فطلب، فهرب عبيد الله، وابنه أبو القاسم محمد، الذي ولي بعد المهدي، وتلقب بالقاَئم، وتوجها نحو المغرب، ووصل عبيد الله المهدي إِلى مصر في زي التجار، وكان عامل مصر حينئذ عيسى النّوشري، وقد كنت إليه الخليفة، بتطلب عبيد الله المهدي، والتوقع عليه، فَجَد المهدي في الهرب، وقدم طرابلس الغرب، وزيادة الله بن الأغلب متوقع عليه، وقد كتب إِلى عماله بإمساكه متى ظفروا به، فهرب من طرابلس، ولحق بسجلماسة فأقام بها. وكان صاحب سجلماسة يسمى اليسع بن مدرار، فهاداه المهدي، على أنه رجل تاجر، قد قدم إلى تلك البلاد، فوصل كتاب زيادة الله إِلى اليسع، يعلمه أن هذا الرجل، هو الذي يدعو له عبد الله الشيعي إِليه، فقبض اليسع على عبيد الله المهدي، وحبسه بسجلماسة، ولما كان من قتل زيادة الله عمه الأحول، وهرب زيادة الله، واستيلاء أبي عبد الله الشيعي على إِفريقية ما قدمنا ذكره، سار أبو عبد الله الشيعي من رقادة في رمضان من هذه السنة، أعني سنة ست وتسعين ومائتين، إِلى سجلماسة، واستخلف أبو عبد الله الشيعي أخاه أبا العباس، وأبا زاكي على إفريقية. فلما قرب من سجلماسة، خرج صاحبها اليسع وقاتله، فرأى ضعفه عنه، فهرب اليسع تحت الليل، ودخل أبو عبد الله الشيعي إِلى سجلماسة، وأخرج المهدي وولده من السجن، وأركبهما ومشى هو ورؤوس القبائل بين أيديهما، وأبو عبد الله يشير إلى المهدي ويقول للناس: هذا مولاكم، وهو يبكي من شدة الفرح، حتى وصل إلى فسطاط، قد نصب له، ولما استقر المهدي فيه، أمر بطلب اليسع صاحب سجلماسة، فأدرك وأحضر بين يديه، فقتله، وأقام المهدي بسجلماسة أربعين يوماً، وسار إِلى إفريقية، ووصل إِلى رقادة، في ربيع الآخر، سنة سبع