فصارت صورة وجهه فيه، وأن هذا المنديل في بيعة الرها، وأنه إن أرسله أطلق عدداً كثيراً من أسرى المسلمين، فأحضر المتقي القضاة والفقهاء واستفتاهم في ذلك، فاختلفوا. فقال بعضهم: ادفعه إِليهم وإطلاق الأسرى أولى. وقال بعضهم: إِن هذا المنديل لم يزل في بلاد الإسلام، ولم يطلبه ملك الروم منهم، ففي دفعه إليهم غضاضة، وكان في الجماعة علي بن عيسي الوزير فقال: إِن خلاص المسلمين من الأسر والضنك، أولى من حفظ هذا المنديل، فأمر الخليفة بتسليمه إليهم، وأرسل من تسلم الأسرى فأطلقوا.
وفي هذه السنة توفي محمد بن إِسماعيل الفرغاني الصوفي، أستاذ أبي بكر الدقاق، وهو مشهور بين المشايخ. وفيها مات سنان بن ثابت بن قرة بعلة الذرب، وكان حاذقاً في الطب، ولم يغن عنه شيئا عند دنو الأجل.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة فيها سار المتقي عن بغداد خوفاً من تورون وابن شيرزاد، إِلى جهة ناصر الدولة بالموصل، وانحدر سيف الدولة إلى ملتقى المتقي بتكريت، ثم انحدر ناصر الدولة إِلى تكريت، وأصعد الخليفة إلى الموصل، ثم سار الخليفة وبنو حمدان إِلى الرقة، فأقاموا بها، وظهر للمتقي تضجر بني حمدان منه، وإيثارهم مفارقته، فكتب إِلى تورون يطلب الصلح منه، ليقدم إلى بغداد، وخرجت السنة على ذلك.
[غير ذلك من الحوادث]
في هذه السنة خرجت طائفة من الروس في البحر، وطلعوا من البحر في نهر الكر، فانتهوا إِلى مدينة برْدَعَة، فاستولوا على بردعة، وقتلوا ونهبوا، ثم عادوا في المراكب إِلى بلادهم. وفيها مات أبو طاهر القرمطي رئيس القرامطة بالجدري، وفيها كان ببغداد غلاء عظيم. وفيها استعمل ناصر الدولة بن حمدان محمد بن علي بن مقاتل على قنسرين والعواصم وحمص. ثم استعمل بعده في السنة المذكورة ابن عمه الحسين بن سعيد بن حمدان على ذلك.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
مسير المتقي إِلى بغداد وخلعه كان قد كتب المتقي إِلى الإخشيد صاحب مصر، يشكو إِليه حاله، وما هو فيه، فسار الإخشيد من مصر إِلى حلب، ثم إِلى الرقة، واجتمع بالمتقي، وحمل إِليه هدايا عظيمة، واجتهد بالمتقي أن يسير معه إِلى مصر أو الشام ليكون بين يديه، فلم يفعل، ثم أشار عليه بالمقام في الرقة، وخوفه من تورون، فلم يفعل، وكان قد أرسل المتقي إِلى تورون في الصلح كما ذكرناه، فحلف تورون للمتقي على ما أراد، فانحدر المتقي لأربع بقين من المحرم إِلى بغداد وعاد الإخشيد إِلى مصر، ولما وصل المتقي إِلى هيت، أقام بها، وأرسل فجدد اليمين على تورون وسار تورون عن بغداد لملتقى الخليفة. فالتقاه بالسندية، ووكّل عليه حتى أنزله في مضربه، ثم قبض تورون على المتقي وسمله، وأعمى عينيه فصاح المتقي وصاح من عنده من الحرم والخدم، فأمر تورون