للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير ذلك من الحوادث

في هذه السنة توفي أبو نصر محمد بن طرخان الفارابي الفيلسوف، وكان رجلاً تركياً، ولد بفاراب، التي تسمى هذا الزمان أُطرار، بضم الهمزة وسكون الطاء المهملة وبين الرائين المهملتين ألف، وهي من المدن العظام، سافر الفارابي من بلده حتى وصل إِلى بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات فشرع في اللسان العربي فتعلمه، وأتقنه، ثم اشتغل بعلوم الحكمة واشتغل على أبي بشر متى بن يونس الحكيم المشهور في المنطق، وأقام الفارابي على ذلك برهة، ثم ارتحل إِلى مدينة حران، واشتغل بها على أبي حيا الحكيم النصراني، ثم قفل إلى بغداد، وأتقن علوم الفلسفة، وحل كتب أرسطو وأتقن علم الموسيقى، وألف ببغداد معظم تصانيفه. ثم سافر إِلى دمشق، ولم يقم بها، وسافر إِلى مصر ثم عاد إِلى دمشق، وأقام بها في أيام ملك سيف الدولة بن حمدان، فأحسن اليد، وكان على زي الأتراك لم يغير ذلك، وحضر يوماً عند سيف الدولة بدمشق، بحضرة فضلائها فما زال كلام الفارابي يعلو، وكلامهم يسفل، حتى صمت الكل ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، وكان الفارابي منفرداً بنفسه لا يجالس الناس، وكان في مدة مقامه بدمشق لا يكون إلا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض، وكان أزهد الناس في الدنيا، وأجرى عليه سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم، فاقتصر علمها، ولم يزل مقيماً بدمشق إلى أن توفي بها، وقد ناهز ثمانين سنة ودفن خارج الباب الصغير.

وفي هذه السنة مات الزجاجي النحوي، وهو أبو القاسم عبد الرحمن بن إِسحاق، صحب إِبراهيم بن السري الزجّاج، فنسب إِليه وعرف به، وكان إِمام وقته وصنف الجمل في النحو.

ثم دخلت سنة أربعين وثلاثمائة في هذه السنة توفي عبد الله بن الحسين الكرخي، الفقيه المشهور، الحنفي المعتزلي، وكان عابداً، ومولده سنة ستين ومائتين، وأبو جعفر الفقيه، توفي ببخارى.

وفيها توفي أبو إِسحاق إِبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي الفقيه الشافعي بمصر، وانتهت إِليه الرئاسة بالعراق بعد ابن سريج، وصنف كتباً كثيرة، وشرح مختصر المزني.

ثم دخلت سنة إِحدى وأربعين وثلاثمائة في هذه السنة سار يوسف بن وجيه، صاحب عمان في البحر والبر إِلى البصرة، وحصرها، وساعده القرامطة على ذلك، وأمدوه بجمع منهم وأقاموا هناك أياماً، فأدركهم المهلبي وزير معز الدولة بالعساكر فرحلوا عنها.

وفاة المنصور العلوي وفي هذه السنة، توفي المنصور بالله العلوي أبو طاهر إِسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن عبيد الله المهدي سلخ شوال، وكانت خلافته سبع سنين وستة عشر يوماً. وكان عمره تسعاً وثلاثين سنة، وكان خطيباً بليغاً، يخترع الخطبة لوقته، وظهر من شجاعته في قتال أبي يزيد الخارجي ما تقدم ذكره، وعهد إِلى ابنه أبي تميم معد بن المنصور إسماعيل

<<  <  ج: ص:  >  >>