للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى المرية وأحرقوا جميع ما في ميناها من المراكب، وأخذوا ذلك المركب الكبير المذكور، بعد عوده من الإسكندرية، وفيه جوار مغنيات وأمتعة لعبد الرحمن، وصعد أسطول المعز إِلى البر فقتلوا ونهبوا ورجعوا سالمين إِلى المهدية، ولما جرى ذلك، جهز عبد الرحمن أسطولاٌ إِلى بلاد إِفريقية، فوصلوا إِليها، فقصدهم عساكر المعز فرجعوا إِلى الأندلس بعد قتال جرى بينهم.

ثم دخلت سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.

فيها سار سيف الدولة بن حمدان إِلى بلاد الروم، فغنم وسبى وفتح عدة حصون، ورجع إِلى أذنة فأقام بها، ثم ارتحل إِلى حلب. وفيها توفي أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلب المعروف بالمطرز، أحد أئمة اللغة المشاهير المكثرين، صحب أبا العباس ثعلباً زماناً فعرف به، وللمطرز المذكور عدة مصنفات، وكانت ولادته سنة إحدى وستين ومائتين، وكان اشتغاله بالعلوم، قد منعه عن اكتساب الرزق، فلم يزل مضيقَاً عليه، وكان لسعة روايته وكثرة حفظه يكذبه أدباء زمانه في أكثر نقل اللغة، ويقولون: لو طار طائر يقول أبو عمر المذكور: حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئاً، وكان يلقي تصانيفه من حفظه، حتى أنه أملى في اللغة ثلاثين ألف ورقة، فلهذا الإكثار نسب إِلى الكذب. ثم دخلت سنة ست وأربعين وثلاثمائة في هذه السنة مات السلار المرزبان صاحب أذربيجان، وملك بعده ابنه حسان، وكان لمرزبان أخ يسمى وهشوذان. فشرع في الإفساد بين أولاد أخيه، حتى وقع ما بينهم وتقاتلوا، وبلغ عمهم وهشوذان ما أراد، وقد ذكر ابن الأثير في حوادث هذه السنة أن البحر نقص ثمانين باعاً، فظهرت فيه جزائر وجبال لم تعرف قبل ذلك. وفيها توفي أبو العباس محمد بن يعقوب الأموي النيسابوري، المعروف بالأصم وكان عالي الإسناد في الحديث، وصحب الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وأبو إسحاق إِبراهيم بن محمد الفقيه البخاري الأمين.

ثم دخلت سنة سبع وأربعين وثلاثمائة.

مسير جيوش المعز العلوي إِلى أقاصي المغرب فيها عظم أمر أبي الحسن، جوهر عبد المعز، فصار في رتبة الوزارة، وسيره المعز في صفر هذه السنة، في جيش كثيف إِلى أقاصي المغرب، فسار إلى تاهرت، ثم سار منها إِلى فاس في جمادى الآخرة، وبها صاحبها أحمد بن بكر، فأغلق أبوابها، فنازلها جوهر وقاتل أهلها، فلم يقدر عليها، ومضى جوهر حتى انتهى إلى البحر المحيط، وسلك تلك البلاد جميعها، ثم عاد إِلى فاس ففتحها عنوة وكان مع جوهر زيري بن مناذ الصنهاجي، وكان شريكه في الإمرة، وكان فتح فاس في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة. وفيها توفي أبو الحسن علي بن البوشجي الصوفي بنيسابور، وهو أحد المشهورين منهم. وفيها توفي أبو الحسن محمد من ولد أبي الشوارب، قاضي بغداد، وكان مولده سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وأبو علي الحسين

<<  <  ج: ص:  >  >>