وفي السنة الأولى من ملكه، قصد بيت المقدس، وأوقع باليهود، وقتلهم، وأسرهم عن آخرهم، إلا من اختفى. ونهب القدس وخربه، وخرب بيت المقدس، وأحرق الهيكل، وأحرق كتبهم وخلا القدس من بني إسرائيل، كأن لم يكن بالأمس.
ولم تعد لهم بعد ذلك رئاسة ولا حكم، وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة لأن بعد رفع المسيح مضى ثلاث سنين من ملك غانيوس، وأربع عشرة من قلوذيوس، وثلاث عشرة من ملك نارون وعشر من أوسباسيانوس، وجملة ذلك أربعون سنة، فيكون خراب بيت المقدس الخراب الثاني.
وتشتت اليهود التشتت الذي لم يعودوا بعده لأربعين سنة مضت من رفع المسيح، ولثلاثمائة وست وسبعين سنة مضت من غلبة الإسكندر، ولثمانمائة وإحدى عشرة سنة مضت لابتداء ملك بخت نصر، فيكون لبث بيت المقدس على عمارته الأولى إلى حين خربه بخت نصر، أربعمائة وثلاثاً وخمسين سنة، ثم لبثت على التخريب سبعين سنة، ثم عمر ولبث على عمارته الثانية إلى حين خربه طيطوس التخريب الثاني، سبعمائة وإحدى وعشرين سنة.
ثم إني وجدت في كتاب اسمه، العزيزي تصنيف الحسن بن أحمد المهلبي في المسالك والممالك، أن بيت القدس، بعد أن خربه طيطوس التخريب الثاني حسبما ذكر تراجع إلى العمارة قليلا قليلا، واعتنى به بعض ملوك الروم، وسماه إيليا ومعناه بيت الرب، فعمرة ورمم شعثه، واستمر عامراً - وهي عمارته الثالثة - حتى سارت هلانة أم قسطنطين إلى القدس في طلب خشبة المسيح التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها، ولما وصلت إلى القدس، بنت كنيسة قيامة، على القبر الذي تزعم النصارى أن عيس دفن به، وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض، وأمرت أن يلقي في موضعه مقامات البلد وزبالته فصار موضع الصخرة مزبلة، وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتح القدس، فدله بعضهم على موضع الهيكل، فنظفه عمر من الزبائل، وبنى به مسجداً، وبقى ذلك المسجد إلى أن تولى الوليد بن عبد الملك الأموي، فهدم ذلك المسجد، وبنى على الأساس القديم المسجد الأقصى، وقبة الصخرة.
وبنى هناك قباباً أيضاً، سمى بعضها قبة الميزان، وبعضها قبة المعراج، وبعضها قبة السلسلة. والأمر على ذلك إلى يومنا هذا. كذا نقله العزيزي والعهدة عليه، أقول: وينبغي أن يخص كلام العزيزي خراب هيكل بيت المقدس بالعمارة التي كانت على الصخرة خاصة، لأن ذكر صفات المسجد الأقصى جاء في حديث معراج النبي صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة ما ذكر أن هيكل بيت المقدس عمره سليمان بن داود وبقي عامراً حتى خربه بخت نصر وهو التخريب الأول، ثم عمره كورش، وهي عمارته الثانية، وبقي عامراً حتى خربه طيطوس التخريب الثاني، ثم تراجع للعمارة قليلا قليلا، وبقي عامراً حتى خربتة هلانة أم قسطنطين، وهو التخريب الثالث، ثم