وطهمورث من ولد أوشهنج وبينه وبينه عدة آباء، وسلك سيرة جده، وهو أول من كتب بالفارسية، وكان على هيئة الديالم ولباسهم، وهلك ثم ملك بعده جمشيذ - بجيم مفتوحة وميم ساكنة وشين مكسورة منقوطة وياء مثناة من تحتها وذال منقوطة.
وهو أخو طهمورث لأبويه وجم والقمر، وشيذهو الشعاع، أي شعاع القمر وكذلك أيضاً يسمون خورشيد أي شعاع الشمس، لأن خور اسم الشمس، وجمشيذ المذكور ملك الأقاليم السبعة، وسلك السيرة الصالحة المتقدمة، وزاد عليها ورتب الناس على طبقات كالحجاب والكتاب، وأمر أن يلازم كل واحد طبقته ولا يتعداها، وأحدث النيروز وجعله عيداً يتنعم الناس فيه.
من الكامل لابن الأثير ووضع لكل أمر من الأمور خاتماً مخصوصاً به، فكتب على خاتم الحرب الرفق والمداراة، وعلى خاتم الخراج العدل والعمارة، وعلى خاتم البريد والرسل الصدق والأمانة، وعلى خاتم المظالم السياسة والانتصاف، وبقيت رسوم تلك الخواتيم حتى محاها الإسلام. انتهى كلام ابن الأثير.
قال ابن مسكويه: ثم إنه بعد ذلك بدل سيرته الصالحة بأن أظهر التكبر والجبروت على وزرائه وقواده، وآثر اللذات، وترك كثيراً من السياسات التي كان يتولاها بنفسه، وعلم بيوراسب باستيحاش الناس من جمشيذ وتنكر خواصه عليه، فقصده، وهرب جمشيذ وتبعه بيوراسب حتى ظفر به وقتله بأن أشره بمئشار.
ثم ملك بيوراسب وكان يقال له الدهاك، ومعناه عشر آفات، فلما عرب قيل الضحاك، ولما ملك ظهر منه شر شديد، وفجور، وملك الأرض كلها، وسار فيها بالجور والعسف، وبسط يده بالقتل، وسن العشور والمكوس، واتخذ المغنين والملهيين، وكان على منكبيه سلعتان يحركهما إذا شاء، فادعى أنهما حيتان تهويلا على ضعفاء العقول، وكان يسترهما بثيابه، ولما اشتد على الناس جوره، وظلمه، ظهر بأصبهان رجل يقال له كابي، وكان الضحاك قد قتل له ابنين، فأخذ كابي المذكور عصاً، وعلق بطرفها جراباً ويقال: إنه كان حداداً، وإن الذي علقه نطع، كان يتوقى به النار، وصاح في الناس ودعاهم إلى مجاهدة بيوراسب، فأجابه خلق كثير واستفحل أمره.
وبقي ذلك العلم معظماً عند الفرس، ورصعوه بالجواهر، وسموه درفش كابيان، ولما قوي أمر كابي، قصد بيوراسب فهرب منه. وسأل الناس كابي أن يتملك عليهم، فأبى لكونه ليس من بيت الملك، وأمرهم أن يملكوا بعض ولد جمشيذ، وكان أفريذون بن أثفان من أولاد جمشيذ وكان مستخفياً من الضحاك، فوافى بجماعته إلى كابي، فاستبشر الناس به وولوه الأمر، وصار كابي أحد أعوانه، حتى احتوى أفريذون على منازل بيوراسب وأمواله، وتبعه وأسره بدياوند وقتله.
وكان النبي إبراهيم الخليل عليه السلام في أواخر أيام الضحاك، ولذلك زعم قوم أنه نمروذ، وأن نمروذ عامل من عماله، وقد اختلف في الضحاك المذكور اختلافاً كثيراً، فيزعم كل من الفرس واليونان