على أشير وخرج إِليها حماد، فاتسعت ولاية حماد وكثر دخله وعظم شأنه، واجتمع له العساكر والأموال، وبقي كذلك إِلى سنة خمس وأربعمائة فأظهر حماد الخلاف على ابن أخيه باديس وخرج عن طاعته وخلعه، وسار كل منهما بجموعه إِلى الآخر واقتتلا في أول جمادى الأولى سنة ست وأربع مائة، فانهزم حماد هزيمة شنيعة، بعد قتال شديد جرى بين الفريقين، ولما انهزم حماد التجأ إلى قلعة مغيلة، ثم سار حماد إلى مدينة دكمة ونهبها ونقل منها الزاد إِلى القلعة المذكورة، وعاد إِليها وتحصن بها وباديس نازل بالقرب منه محاصر له، ودام الحال كذلك حتى توفي باديس فجأة، نصف ليلة الأربعاء آخر ذي القعدة سنة ست وأربع مائة.
وتولى بعد باديس ابنه المعز بن باديس. واستمر حماد على الخلف معه كما كان مع أبيه، حتى اقتتل المعز بن باديس وحماد في سنة ثمان وأربع مائة بموضع يقال له ينني، فانهزم حماد بعد قتال شديد هزيمة قبيحة، وبعد هذه الهزيمة لم يعد حماد إِلى قتال، واصطلح مع المعز المذكور، على أن يقتصر حماد على ما في يده، وهو عمل ابن علي وما وراءه من أشير وتاهرت، واستقر للقائد بن حماد المسيلة وطبنة ومرسى الدجاجي وزواوة ومقرة ودكمة وغير ذلك، وبقي حماد وابنه القائد كذلك حتى توفي حماد في نصف سنة تسع عشرة وأربع مائة، واستقر في الملك بعده ابنه القائد بن حماد وبقي القائد في الملك حتى توفي في سنة ست وأربعين وأربعمائة في شهر رجب.
ولما توفي القائد ملك بعده ابنه محسن بن القائد بن حماد، فأساء السيرة، وخبط وقتل جماعة من أعمامه، فخرج عن طاعة محسن المذكور، ابن عمه بلكين ابن محمد بن حماد، واقتتل معه فقتل بلكين محسناً المذكور وملك موضعه في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربع مائة، وبقي حتى غدر ببلكين المذكور الناصر بن علناس بن حماد، وأخذ منه الملك في رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة، واستقر الناصر بن علناس بن حماد في الملك حتى توفي في سنة إِحدى وثمان وأربعمائة.
وملك بعده ابنه المنصور بن الناصر وبقي في الملك حتى توفي في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وملك بعده ابنه باديس بن المنصور، وأقام باديس مدة يسيرة وتوفي، وملك بعده أخوه العزيز بالله بن المنصور، وبقي العزيز في الملك حتى توفي، ولم يقع لي تاريخ وفاته، وملك بعده ابنه يحيى بن العزيز بالله، وبقي في الملك حتى سار عبد المؤمن من الغرب الأقصى وملك بجاية. قال ابن الأثير في الكامل: إِن ذلك كان في سنة سبع وأربعين وخمس مائة، وكان آخر من ملك منهم يحيى بن العزيز بالله بن المنصور بن الناصر بن علناس بن حماد بن بلكين، وانقرضت دولة بني حماد في السنة المذكورة، وكان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً مع السنين، وإنما جمعناه لقلته لينضبط.