غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة، في الموصل، قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلد على وزيره أبي القاسم المغربي، ثم أطلقه، فيما بعد، وقبض أيضاً على سليمان بن فهد، وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد، ثم صعد إِلى الموصل، وخدم المقلد ابن المسيب والد قرواش، ثم نظر في ضياع قرواش فظلم أهلها، ثم سخط قرواش عليه وحبسه ثم قتله، وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي:
وليلِ كوجهِ البرقعيدي مظلم ... ورد أغانيه وطولِ قرونهِ
سريت ونومي فيه نوم مشردٍ ... كعَقلِ سليمَانَ بن فهد ودينهِ
علي أولق فيه التفات كأنه ... أبو جابر في خطبهِ وجنونهِ
إِلى أن بدا نور الصباح كأنه ... سنا وجه قرواش وضوء جبينه
وكان من حديث هذه الأبيات، أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية وكان عنده المذكورون، وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش، وسليمان بن فهد الوزير المذكور، وأبو جابر، وكان حاجباً لقرواش، فأمر قرواش الزمكدم أن يهجو المذكورين ويمدحه، فقال هذه الأبيات البديهية.
وفيها اجتمع غريب بن معن ودبيس بن علي بن مزيد، وأتاهم عسكر من بغداد، وجرى بينهم وبين قرواش قتال، فانهزم قرواش، وامتدت يد نواب السلطان إِلى أعماله، فأرسل قرواش يسأل الصفح عنه.
وفيها على ما حكاه ابن الأثير في حوادث هذه السنة، في ربيع الآخر نشأت سحابة بإفريقية شديدة البرق والرعد، فأمطرت حجارة كثيرة وهلك كل من أصابته. ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة فيها مات صدقة بن فارس المازياري أمير البطيحة، وضمنها أبو نصر شيرزاد بن الحسن بن مروان، واستقر فيها، وأمنت به الطرق. وفيها توفي علي بن هلال، المعروف بابن البواب، المشهور بجودة الخط، وقيل كان موته سنة ثلاث عشرة وكان عنده علم، وكان يقص بجامع المدينة ببغداد، ويقال له ابن الستري أيضاً، لأن أباه كان بواباً، والبواب يلازم ستر الباب، فلهذا نسب إِليه أيضاً، وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد بن علي القارئ الكاتب البزار البغدادي. وتوفي ابن البواب ببغداد، ودفن بجوار أحمد بن حنبل.
وفيها توفي أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي صاحب طبقات الصوفية. وفيها توفي علي بن عبد الرحمن الفقيه البغدادي، المعروف بصريع الدلاء، قتيل الغواشي ذي الرقاعتين، الشاعر المشهور، وله قصيدة في المجون فمنها قوله:
وليس يخرا في الفراش عاقلٌ ... والفرش لا ينكر فيها من فسى
من فاته العلم وأخطاه الغنى ... فذاك والكلب على حال سوا