يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، كان إمام وقته في الحديث، ألف كتاب الاستيعاب في أسماء الصحابة، وصنف كتاب التمهيد، على موطأ مالك، تصنيفاً لم يسبق إليه، وكتاب الدرر في المغازي والسير، وغير ذلك، وكان موفقاً في التأليف معاناً عليه، وسافر من قرطبة إلى شرق الأندلس، وتولى قضاء أشبونه وشنترين وصنف لمالكها المظفر بن الأفطس، كتاب بهجة المجالس، في ثلاثة أسفار جمع فيه أشياء مستحسنة تصلح للمحاضرة، ومما ذكره في الكتاب المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل الجنة ورأى فيها عذقاً مدلى فأعجبه وقال: لمن هو؟ فقيل: لأبي جهل. فشق عليه ذلك وقال: ما لأبي جهل والجنة؟ والله لا يدخلها أبداً، فلما أتاه عكرمة بن أبي جهل مسلماً. فرح به وتأول ذلك العذق، ابنه عكرمة.
ومن ذلك ما روي عن جعفر بن محمد الصادق، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كأن كلباً أبقع يلغ في دمه، فكان شمر بن أبي جوشن، قاتل الحسين، وكان أبرص. فتفسرت رؤياه بعد خمسين سنة.
ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: يا أبا بكر، رأيت كأني وأنت نرقى في درجة فسبقتك بمرقانين ونصف، فقال أبو بكر يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته، وأعيش بعدك سنتين ونصفاً.
ومنه أن بعض أهل الشام قص على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: رأيت كأن الشمس والقمر اقتتلا، ومع كل واحد منهما فريق من النجوم، فقال عمر: أيهما كنت؟ قال مع القمر. قال: مع الآية الممحوة، والله لا توليت لي عملا. فقتل الرائي المذكور على صفين، وكان مع معاوية.
ومنه أن عائشة رضي الله عنها رأت كأن ثلاثة قمر سقطن في حجرها. فقال لها أبوها أبو بكر رضي الله عنهما: يدفن في بيتك ثلاثة من خيار أهل الأرض. فل دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: هذا أحد أقمارك. ولغرابة ذلك أوردناه.
وتوفي الحافظ بن عبد البر المذكور في مدينة شاطبة من الأندلس في هذه السنة، أعني سنة ثلاث وستين وأربعمائة. وفيها توفيت كريمة بنت أحمد بن محمد المروزية، وهي التي تروي صحيح البخاري بمكة. وإليها انتهى علو الإسناد الصحيح.
ثم دخلت سنة أربع وستين وأربعمائة وفاة بن عمار قاضي طرابلس وفي هذه السنة في رجب، توفي القاضي أبو طالب بن عمار قاضي طرابلس، وكان قد استولى عليها واستبد بأمرها فقام مكانه ابن أخيه جلال الملك أبو الحسن ابن عمار، فضبط البلد أحسن ضبط.
ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة مقتل السلطان ألب أرسلان في هذه السنة سار السلطان ألب أرسلان، واسمه محمد، إلى ما وراء النهر، وعقد على جيحون جسراً وعبره، في نيف وعشرين يوماً، وعسكره يزيد على مائتي ألف فارس ولما عبر السلطان