في المعى، مات بها، ولحقه في أواخر عمره من البخل ما لا يوصف، ولما مات في السنة المذكورة، ملك حلب بعده ابنه نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابين فمدحه ابن جيوش بقصدية منها:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت ما افتر عن ناظرٍ شفر
وكان لمحمود بن نصر سجية ... وغالب ظني أن سيخلفها نصر
وكان عطية بن جيوش على محمود إذا مدحه، ألف دينار، فأعطاه نصر ألف دينار، مثل ما كان يعطيه أبوه محمود، وقال: لو قال: وغالب ظني أن سيضعفها نصر لأضعفتها له، وكان نصر يدمن شرب الخمر فحمله السكر على أن خرج إلى التركمان الذين ملكوا أباه حلب وهم بالحاضر، وأراد قتالهم فضربه واحد منهم بسهم نشاب فقتله، ولما قتل نصر ملك حلب أخوه سابق بن محمود، ولم يذكر ابن الأثير تاريخ قتل نصر متى كان. ثم إني وجدت في تاريخ حلب، تأليف كمال الدين المعروف بابن العديم تاريخ قتل نصر المذكور، قال: وفي يوم عيد الفطر سنة ثمان وستين وأربعمائة عيّد نصر بن محمود وهو في أحسن زي وكان الزمان ربيعاً، واحتفل الناس في عيدهم وتجملوا بأفخر ملابسهم، ودخل عليه ابن جيوش فأنشده قصيدة منها:
صفت نعمتان خصتاك وعمتا ... حديثهما حتى القيامة يؤثر
فجلى نصر فشرب إلى العصر، وحمله السكر على الخروج إلى الأتراك وسكناهم في الحاضر، وأراد أن ينهبهم وحمل عليهم، فرماه تركي بسهم في حلقه فقتله، وكان قتله يوم الأحد مستهل شوال، سنة ثمان وستين وأربعمائة، ولما قتل نصر ملك حلب بعده أخوه سابق ابن محمود.
وفيها توفي طاهر بن أحمد بن باب شاذ النحوي المصري، توفي بأن سقط من سطح جامع عمرو بن العاص بمصر، فمات لوقته.
ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة فيها توفي عبد الرحيم بن محمد بن إسحاق الأصفهاني الحافظ، له يهوياقيم تصانيف كثيرة منها: تاريخ أصفهان، وله طائفة ينتمون إليه في الاعتقاد من أهل أصفهان، يقال لهم العبد رحمانية.
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة استيلاء تنش على دمشق في هذه السنة ملك تاج الدولة تنش بن السلطان ألب أرسلان دمشق، وسببه أخاه السلطان ملكشاه أقطعه الشام، وما يفتحه، فسار تاج الدولة تنش إلى حلب وكان قد أرسل بدر الجمالي أمير الجيوش بمصر عسكراً إلى حصار أتسز بدمشق، فأرسل أتسز يستنجد تنش وهو نازل على حلب يحاصرها، فسار تنش إلى دمشق، فلما قرب منها رحل عنها عسكر