ذكر الحرب بين السلطان محمود وأخيه مسعود كان مسعود ابن السلطان محمد له الموصل وأذربيجان، فكاتب دبيس بن صدقة، جيوش بك أتابك مسعود، يشير عليه بطلب السلطنة لمسعود، ووعده دبيس بأن يسير إليه وينجده وكان غرض دبيس أن يقع بين محمود ومسعود، لينال دبيس علو المنزلة، كما نالها، أبوه صدقة، بسبب وقوع الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد. فأجاب مسعود إلى ذلك، وخطب لنفسه بالسلطنة، وجمع عسكره وسار إلى أخيه محمود والتقوا عند عقبة أستراباذ، منتصف ربيع الأول من هذه السنة واشتد القتال بينهم، فانهزم مسعود وعسكره، ولما انهزم مسعود اختفى في جبل، وأرسل يطلب من أخيه محمود الأمان فبذله له، وقدم مسعود إلى أخيه محمود فأمر محمود بخروج العسكر إلى تلقيه، ولما التقيا اعتنقا وبكيا، وبالغ محمود في الإحسان إلى أخيه مسعود، وفى له، ثم قسم جيوش بك أتابك مسعود على محمود فأحسن إليه أيضاً، وأما دبيس بن صدقة، فإنه لما بلغه انهزام مسعود أخذ في إفساد البلاد ونهبها، وكاتبه محمود فلم يلتفت إليه. فسار السلطان محمود إليه، ولما قرب منه خرج دبيس عن الحلة والتجأ إلى أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين، ثم اتفق الحال على أن يرسل دبيس أخاه منصوراً رهينة، ويعود إلى الحلة، فأجيب إلى ذلك.
وفي هذه السنة خرجت الكرج إلى بلاد الإسلام وملكو تقليس بسيف، وقتلوا ونهبوا من المسلمين شيئاً كثيراً.
وفي هذه السنة أيضاً جمع أيلغازي التركمان وغيرهم، والتقى مع الفرنج عند ذات البقل، من بلد سرمين، وجرى بينهم، قتال شديد، فانتصر أيلغازي وانهزم الفرنج.
ذكر ابتداء أمر محمد بن تومرت وملك عبد المؤمن
كان محمد بن عبد الله بن تومرت العلوي الحسيني من قبيلة من المصامدة، من أهل جبل السوس، من بلاد المغرب، فرحل ابن تومرت إلى بلاد المشرق في طلب العلم، وأتقن علم الأصولين والعربية، والفقه والحديث، واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي في العراق، واجتمع بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية، وقيل إنه لم يجتمع بالغزالي. ثم حج ابن تومرت وعاد إلى المغرب، وأخذ في الإنكار على الناس وإلزامهم بإقامة الصلوات وغير ذلك من أحكام الشريعة، وتغيير المنكرات، ولما وصل إلى قرية اسمها ملالة بالقرب من بجاية اتصل به عبد المؤمن بن علي الكومي، وتفرس ابن تومرت النجاية في عبد المؤمن المذكور، وسار معه، وتلقب ابن تومرت بالمهدي. واستمر المهدي المذكور على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصل الى مراكش، وشدد في النهي عن المنكرات وكثرت أتباعه، وحسنت ظنون الناس به، ولما اشتهر أمره استحضره أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بحضرة الفقهاء فناظرهم