للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر غير ذلك من الحوادث: في هذه السنة أقطع السلطان محمود الموصل وأعمالها كالجزيرة وسنجار، للأمير أقسنقر البرسقي. وفيها قتل بمصر أمير الجيوش الأفضل بن بدر الجمالي، وكان قد ركب بمصر ومعه جمع كثير، فتأذى من الغبار، فسار قدامهم ومعه نفران، فوثب عليه ثلاثة بسوق الصياقلة وضربوه بالسكاكين، وأدركهم أصحابه فقتلوا الثلاثة، وحمل الأفضل إلى داره فمات بها وبقي الآمر بأحكام الله الخليفة العلوي صاحب مصر، ينقل من دار الأفضل الأموال ليلاً ونهاراً أربعين يوماً، ووجد له من الأموال والتحف ما لا يحصى، وكان عمر الأفضل سبعً وخمسين سنة وولايته ثمانياً وعشرين سنة، وقيل إن الآمر هو الذي جهز عليه من قتله، ولما قتل الأفضل ولي الآمر بأحكام الله بعده أبا عبد الله البطائحي.

وفيها عصى سليمان بن أيلغازي بن أرتق على أبيه بحلب وكان فيمن حسن له ذلك إنسان من أهل حماة من بيت قرناص، وكان قد قدمه أيلغازي على أهل حلب، فجاراه بذلك، ولما سمع أيلغازي بذلك سار مجدّاً من ماردين وهاجم حلب وقطع يدي ابن قرناص ورجليه وسمل عينيه فمات، وأحضر ولده سليمان وأراد قتله فلحقته رقة الوالد فاستبقاه، وهرب سليمان إلى عند طغتكين بدمشق، واستناب أيلغازي على حلب ابن أخيه واسمه سليمان أيضاً بن عبد الجبار بن أرتق، وعاد أيلغازي إلى ماردين.

وفيها أقطع السلطان محمود ميافارقين للأمير أيلغازي المذكور، وفيها كان بين بلك بن بهرام بن أرتق وبين جوسلين حرب، انتصر فيها بلك وقتل من الفرنج وأسر جوسلين وأسر معه ابن خالته كليام وأسر جماعة من فرسانه المشهورين، وبذل جوسلين في نفسه أموالاً كثيرة فلم يقبلها بلك، وسجنهم في قلعة خرتبرت. وفيها تضعضع الركن اليماني من البيت الحرام شرفه الله تعالى، من زلزلة وانهدم بعضه. وفيها توفي أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري مصنف كتاب المقامات المشهورة، ولد في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة، وكان إماماً في النحو واللغة، وصنف عدة مصنفات منها: المقامات التي طبق الأرض شهرتها، وكان الذي أمره بتصنيفها أنوشروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود، فإن الحريري عمل مقامه واحدة على وضع مقامات البديع وعرضها على أنوشروان، وكان الحريري قد أولع بنتف لحيته والعبث بها، وقدم بغداد وسكن في الحريم، ووقع بينه وبين ابن جكينا مهاجاة، ثم نفي الحريري إلى المشان فقال فيه ابن جكينا يهجوه:

شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله في المشان وقد ... ألجمه في الحريم بالخرس

<<  <  ج: ص:  >  >>