ما كان في معسكره، فيكون هلاك فيروز في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
ثم ملك بعده ابنه بلاش بن فيروز أربع سنين، وكان حسن السيرة، ومات في سنة سبع وتسعين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه قباذ بن فيروز ثلاثاً وأربعين سنة، منها ست سنين كان فيها قتال بينه وبين أخيه جاماسف، وفي أيام قباذ المذكور، ظهر مردك الزنديق. وادعى النبوة، وأمر الناس بالتساوي في الأموال، وأن يشتركوا في النساء، لأنهم إخوة لأب وأم، أم وحواء، ودخل قباذ في دينه فهلك الناس وعظم ذلك عليهم، وأجمعوا على خلع قباذ.
وخلعوه وولوا أخاه جاماسف بن فيروز، ولحق قباذ بالهياطلة، فأنجده وسار بهم وبعسكر خراسان، والتقى مع أخيه جاماسف، وانتصر عليه وحبس جاماسف، وستمر قباذ في الملك حتى مات في سنة أربعين وثمانمائة لمضي سبعة أشهر من السنة المذكورة.
ثم ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان بن قباذ بن فيروز بنْ يزدجر بن بهرام جور ابن يزد جرد الأثيم بن بهرام بن سابور ذي الأكتاف بن هرمز بني نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أزدشير بن بابك.
وملك أنوشروان ثمانياً وأربعين سنة، ولما تولى الملك كان صغيراً، فلما استقل بالملك وجلس على السرير قال لخواصه: إِني عاهدت الله إن صار الملك إلي على أمرين: أحدهما: أن أعيد آل المنذر إلى الحجرة، وأطرد الحارث عنها، وأما الأمر الثاني: فهو قتل المردكية، الذين قد أباحوا نساء الناس وأموالهم، وجعلوهم مشتركين في ذلك. بحيث لا يختص أحد بامرأة ولا بمال، حتّى اختلط أجناس اللؤماء بعناصر الكرماء، وتسهّل سبيل العاهرات إلى قضاء نهمهن، واتصلت السفلة إِلى النساء الكرائم التي ما كان أمثال أولئك يتجاسرون أن يملؤوا أعينهم منهن، إذا رأوهن في الطريق، فقال له مردك وهو قائم إلى جانب السرير، هل تستطيع أن تقتل الناس جميعاً. هذا فساد في الأرض، والله قد ولاك لتصلح، لا لتفسد.
فقال له أنوشروان: يا ابن الخبيثه، أتذكر وقد سألت قباذ أن يأذن لك في المبيت عند أمي، فأذن لك. فمضيت نحو حجرتها، فلحقت بك وقبلت رجلك، وإن نتن جواربك ما زال في أنفي، منذ ذلك إلى الآن، وسألتك حتى وهبتها لي ورجعت.
قال: نعم فأمر حينئذ أنوشروان بقتل مردك، فقتل بين لديه، وأخرج وأحرقت جيفته، ونادى بإباحة دماء المردكة، فقتل منهم في ذلك اليوم عالم كثير، وأباح دماء المانوية أيضاً، وقتل منهم خلقاً كثيراً، وثبت ملة المجوسية القديمة، وكتب بذلك إلى أصحاب الولايات، وقوي الملك بعد ضعفه، بإدامه النظر وهجر الملاذ، وترك اللهو، وقوي جنده بالأسلحة والكراع، وعمر البلاد، ورد إلى ملكه كثيراً من الأطراف التي غلبت عليها الأمم بعلل وأسباب شتى.
منها السند والرخج وزابلستان وطخارستان ودروستان وغيرها، وبنى المعاقل والحصون، وقسم أموال المردكية على الفقراء، ورد الأمر التي لها أصحاب إلى أصحابها وكل مولود اختلف فيه ألحقه بالشبه، وإن كان ولداً للمردكية المقتولة،