للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانه بمكة. وفيها في رمضان قدم شمس الدولة توران شاه بن أيوب من اليمن إلى الشام، وأرسل إلى أخيه صلاح الدين يعلمه بوصوله، وكتب إليه أبياتاً من شعر ابن النجم المصري:

وإلى صلاح الدين أشكو أنني ... من بعده مضنى الجوانح مولع

جزعاً لبعد الدار عنه ولم أكن ... لولا هواه لبعد دار أجزع

ولأركبن إليه متن عزائمي ... ويخب بي ركب الغرام ويوسع

ولأسرين الليل لا يسرى به ... طيف الخيال ولا البروق اللمع

وأقدمن إليه قلبي مخبراً ... أني بجسمي عن قريب أتبغ

حتى أشاهد منه أسعد طلعة ... من أفقها صبح السعادة يطلع

وفيها توفي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، المعروف بابن عساكر الدمشقي، الملقب نور الدين، كان إماماً في الحديث، ومن أعيان الفقهاء الشافعية، صنف تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة، على وضع تاريخ بغداد، أتى فيه بالغرائب، ومولد المذكور في أول سنة تسع وتسعين وأربعمائة.

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة فيها قصد السلطان صلاح الدين، بلد الإسماعيلية، في المحرم، فنهب بلدهم وخربه وأحرقه، وحصر قلعة مصياف، فأرسل سنان مقدم الإسماعيلية إلى خال صلاح الدين، وهو شهاب الدين الحارمي صاحب حماة، يسأله أن يسعى في الصلح، فسأل الحارمي الصفح عنهم، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك، وصالحهم ورحل عنهم، وأتم السلطان صلاح الدين مسيره، ووصل إلى مصر فإنه كان قد بعد عهده بها، بعد أن استقر له ملك الشمام، ولما وصل إلى مصر في هذه السنة، أمر ببناء السور الدائر على مصر والقاهرة والقلعة، التي على جبل المقطم، ودور ذلك تسعة وعشرون ألف ذراع، وثلاث مائة ذراع، بالذراع الهاشمي، ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين.

وفي هذه السنة أمر صلاح الدين ببناء المدرسة التي على الشافعي بالقرافة بمصر، وعمل بالقاهرة مرستان.

وفيها توفي القاضي جمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، قاضي دمشق، وجميع الشام.

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة في هذه السنة في جمادى الأولى، سار السلطان صلاح الدين من مصر إلى ساحل الشام، لغزو الفرنج، فوصل إلى عسقلان في الرابع والعشرين من الشهر، فنهب، وتفرق عسكره في الإغارات، وبقي السلطان في بعض العسكر، فلم يشعر إلا بالفرنج قد طلعت عليه، فقاتلهم أشد قتال، وكان لتقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، ولد اسمه أحمد، وهو من أحسن الشباب، أول ما قد تكاملت لحيته، فأمره أبوه تقي الدين بالحملة على الفرنج، فحمل عليهم، وقاتلهم، فأثر فيهم أثراً كبيراً، وعاد سالماً، فأمره أبوه بالعود

<<  <  ج: ص:  >  >>