هذه القلاع في صور من أعظم أسباب الضرر على المسلمين، ظهر ذلك فيما بعد، ثم سار السلطان إلى القدس، فعيد فيه عيد الأضحى، ثم سار إلى عكا فأقام بها حتى انسلخت السنة.
ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة أرسل قزل بن الدكز يستنجد بالخليفة الإمام الناصر، على طغريل بن أرسلان بن طغريل السلجوقي، ويحذره عاقبة أمره، فأرسل الخليفة عسكراً إلى طغريل، والتقوا ثامن ربيع الأول من هذه السنة قرب همذان، فانهزم عسكر الخليفة، وغنم طغريل أموالهم، وأسر مقدم العسكر جلال الدين عبيد الله وزير الخليفة.
وفيها توفي محمد بن عبد الله الكاتب المعروف بابن التعاويذي، الشاعر المشهور، وقصائده في الغزل والنسيب مشهورة، وله في غير ذلك أشياء حسنة أيضاً، وقد صودر ببغداد جماعة من الدواوين، من جملة قصيدته:
يا قاصدا بغداد جز عن بلدة ... للجور فيها زجرة وعتاب
إن كنت طالب حاجة فارحع فقد ... سدت على الراجي لها الأبواب
والناس قد قامت قيامتهم فلا ... أنساب بينهم ولا أسباب
والمرء يسلمه أبوه وعرسه ... ويخونه القرباء والأحباب
لا شافع تغني شفاعته ولا ... جان له مما جناه متاب
شهدوا معادهم فعاد مصدقا ... من كان قبل ببعثه يرتاب
جسر وميزان وعرض جرائد ... وصحائف منشورة وحساب
ما فاتهم من يوم ما وعدوا به ... في الحشر إلا راحم وهاب
ومولد ابن التعاويذي المذكور في سنة تسع عشرة وخمسمائة.
ثم دخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة في هذه السنة سار السلطان صلاح الدين ونزل بمرج عيون، وحضر إليه صاحب شقيف أرنون، وبذل إليه تسليم الشقيف، بعد مدة ظهر بها خديعة منه، فلما بقي للمدة ثلاثة أيام استحضره السلطان، وكان اسم صاحب الشقيف أرنلط، فقال له السلطان في التسليم، فقال: لا يوافقني عليه أهلي وأهل الحصن، فأمسكه السلطان وبعثه إلى دمشق فحبس ذكر حصار الفرنج عكا كان قد اجتمع بصور، أهل البلاد التي أخذها السلطان بالأمان، فكثر جمعهم حتى صاروا في عالم لا تحصى كثرتهم، وأرسلوا إلى البحر يبكون ويستنجدون، وصوروا صورة المسيح، وصورة عربي يضرب المسيح، وقد أدماه. وقالوا: هذا نبي العرب يضرب المسيح، فخرجت النساء من بيوتهن، ووصل من الفرنج في البحر عالم لا يحصون كثرة، وساروا إلى عكا من صور، ونازلوها في منتصف رجب من هذه السنة، وضايقوا عكا وأحاطوا بيوتها من