فقبل وصية عمه وتظاهر بذلك، وفوض أمر المملكة إلى وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزري يدبرها برأيه الفاسد. ثم إن الملك الأفضل أظهر التوبة عن ذلك، وأزال المنكرات، وواظب على الصلوات، وشرع في نسخ مصحف بيده.
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. وفيها سار ابن القصاب وزير الخليفة بعد ملك خورستان إلى همذان، فملكها وملك غيرها من بلاد العجم، وأخذ يستولي على سائر البلاد للخليفة، فتوفي مؤيد الدين بن القصاب المذكور في أوائل شعبان، سنة اثنين وتسعين وخمسمائة.
وفيها غزا ملك الغرب يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الفرنج بالأندلس، وجرى بينهم مصاف عظيم، انتصر فيه المسلمون، وقتل من الفرنج ما لا يحصى وولوا منهزمين، وغنم المسلمين منهم ما لا يحصى.
وفيها جهز الخليفة الإمام الناصر عسكراً مع مملوك له يقال له سيف الدين طغريل، فاستولوا على أصفهان. وفيها قدم مماليك البهلوان عليهم مملوكاً من البهلوانية، يقال له كلجا، فعظم أمر كلجا واستولى على الري وهمذان.
وفيها عاود الملك العزيز عثمان صاحب مصر قصد الشام ومنازلة أخيه الملك الأفضل، فسار ونزل الغوار من أرض السواد من بلاد دمشق، فاضطرب بعض عسكر العزيز عليه، وهم طائفة من الأمراء الأسدية، وفارقوه، فبادر العزيز العود إلى مصر بمن بقي معه من العسكر، وكان الملك الأفضل قد استنجد بعمه الملك العادل لما قصده أخوه العزيز.
فلما رحل العزيز عائداً إلى مصر، رحل الملك الأفضل وعمه العادل ومن انضم إليهما من الأسدية، وساروا في إثر العزيز طالبين مصر، فساروا حتى نزلوا على بلبيس وقد ترك فيها العزيز جماعة من الصلاحية، وقصد الملك الأفضل مناجزتهم بالقتال فمنعه العادل عن ذلك، فقصد الأفضل المسير إلى مصر والاستيلاء عليهما، فمنعه عمه العادل أيضاً عن ذلك، وقال: مصر لك متى شئت، وكاتب العادل العزيز في الباطن، وأمره بإرسال القاضي الفاضل ليصلح بين الأخوين، وكان القاضي الفاضل قد اعتزل عن ملابستهم لما رأى من فساد أحوالهم، فدخل عليه الملك العزيز وسأله، فتوجه القاضي الفاضل من القاهرة إلى عند الملك العادل، واجتمع به واتفقا على أن يصلحا بين الأخوين، فأصلحا بينهما، وأقام الملك العادل بمصر عند العزيز ابن أخيه ليقرر أمور مملكته، وعاد الأفضل إلى دمشق.
وفيها كان بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك الغرب، وبين الفرنج بالأندلس شمالي قرطبة حروب عظيمة، انتصر فيها يعقوب، وانهزم الفرنج.
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فيها سار شهاب الدين الغوري صاحب غزنة إلى بلاد الهند، وفتح قلعة عظيمة تسمى بهنكر بالأمان، ثم سار إلى قلعة كوكير وبينهما نحو خمسة أيام، فصالحه أهلها على مال حملوه إليه، ثم سار في بلاد الهند فغنم وأسر وعاد إلى غزنة.