فاصبر فإن غداً عليه حسابهم ... وأبشر فناصرك الإمام الناصر
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة في هذه السنة توفي ملكشاه بن تكش بنيسابور، وكان أبوه خوارزم شاه تكش، قد جعله فيها وجعل له الحكم على تلك البلاد، وجعله ولي عهده، وخلف ملك شاه ولداً اسمه هندوخان، فلما مات ملكشاه، جعل تكش فيها عوضه ولده الآخر قطب الدين محمد، وهو الذي ملك بعد أبيه، وغير لقبه عن قطب الدين، وجعله علاء الدين، وكان بين الأخوين ملكشاه وقطب الدين عداوة مستحكمة.
ذكر وفاة سيف الإسلام في هذه السنة في شوال، توفي سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن أيوب صاحب اليمن، ولما مات سيف الإسلام، كان ولده الملك العزيز إسماعيل بالسمرين، فبعث إليه جمال الدولة كافور، جماعة من الجند، فعرفوه بوفاة ولده ومضوا به إلى ممالك أبيه، فسلموها إليه، وكانت وفاة سيف الإسلام بزبيد، وكان شديد السيرة، مضيقاً على رعيته، يشتري أموال التجار لنفسه ويبيعها كيف شاء، وجمع من الأموال ما لا يحصى، حتى أنه كان يسبك الذهب وجعله كالطاحون ويدخره.
ثم دخلت. سنة أربع وتسعين وخمسمائة في هذه السنة في المحرم توفي عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر، صاحب سنجار والخابور والرقة، وكان حسن السيرة متواضعاً يحب أهل العلم، إلا أنه كان بخيلاً شديد البخل، وملك بعده ولده قطب الدين حمد بن زنكي، وتولى تدبير دولته مجاهد الدين بزنقش مملوك أبيه.
وفيها في جمادى الأولى سار نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي صاحب الموصل إلى نصيبين، فاستولى عليها وأخذها من ابن عمه قطب الدين محمد بن زنكي، فأرسل قطب الدين محمد واستنجد بالملك العادل، فسار الملك العادل إلى البلاد الجزرية، ففارق نور الدين أرسلان شاه نصيبين وعاد إلى الموصل، فعاد قطب الدين محمد بن زنكي وتسلم نصيبين.
وفيها سار خوارزم شاه تكش إلى بخارى، وهي للخطا، وحاصرها وملكها، وكان تكش أعور، فأخذ أهل بخارى في مدة الحصار كلباً أعور وألبسوه قباً وقالوا للخوارزمية: هذا سلطانكم، ورموه بالمنجنيق إليهم، فلما ملكها خوارزم شاه تكش، أحسن إلى أهل بخارى وفرق فيهم أموالاً، ولم يؤاخذهم بما فعلوه في حقه.
وفيها وصل جمع عظيم من الفرنج إلى الساحل واستولوا على قلعة بيروت، وسار الملك العادل ونزل بتل العجول، وأتته النجدة من مصر، ووصل إليه سنقر الكبير صاحب القدس، وميمون القصري صاحب نابلس، ثم سار الملك العادل إلى يافا وهجمها بالسيف وملكها، وقتل الرجال المقاتلة، وكان هذا الفتح، ثالث فتح لها، ونازلت الفرنج تبنين، فأرسل الملك العادل إلى الملك العزيز صاحب مصر، فسار الملك العزيز بنفسه بمن بقي عنده من عساكر مصر،