ثم دخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة لما دخلت هذه السنة، كان بالديار المصرية الملك العادل، وعنده ابنه الملك الكامل محمد، وهو نائبه بها، وبحلب الملك الظاهر، وهو مجد في تحصين حلب خوفاً من عمه الملك العادل، وبدمشق الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل، نائب أبيه بها، وبالشرق الملك إبراهيم ابن الملك العادل، وبميافارقين، الملك الأوحد نجم الدين أيوب ابن الملك العادل.
وفي هذه السنة توفي عز الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الملك بن المقدم، وصارت البلاد بعده، وهي منبج وقلعة نجم وفامية وكفر طاب، لأخيه شمس الدين عبد الملك بن محمد بن عبد الملك بن المقدم، ولما استقر شمس الدين عبد الملك بمنبج، سار إليها الملك الظاهر صاحب حلب وحصرها، وملك منبج، وعصى عبد الملك بن المقدم بالقلعة، فحصره، ونزل عبد الملك بالأمان، فاعتقله الملك الظاهر، وملك قلعة منبج، وبعد أن فرغ من منبج سار إلى قلعة نجم، وبها نائب ابن المقدم، فحصرها وملكها في آخر رجب من هذه السنة، وأرسل الملك الظاهر إلى الملك المنصور صاحب حماة يبذل له منبج وقلعة نجم، على أن يصير معه على الملك العادل، فاعتذر صاحب حماة باليمين التي في عنقه للملك العادل، فلما أيس الملك الظاهر منه، سار إلى المعرة وأقطع بلادها، واستولى على كفر طاب، وكانت لابن المقدم، ثم سار إلى فامية وبها قراقوش نائب ابن المقدم، وأرسل الملك الظاهر وأحضر عبد الملك بن المقدم من حلب، وكان معتقلاً بها، وأحضر معه أصحابه الذين اعتقلهم وضربهم قدام قراقوش ليسلم فامية، فامتنع قراقوش، فأمر الملك الظاهر بضرب عبد الملك بن المقدم، فضرب ضرباً شديداً، وبقي يستغيث، فأمر قراقوش فضربت النقارات على قلعة فامية لئلا يسمع أهل البلد صراخه، ولم يسلم القلعة، فرحل عنها الملك الظاهر وتوجه إلى حماة وحاصرها لثلاث بقين من شعبان من هذه السنة، ونزل شمالي البلد، وشعث التربة التقوية وبعض البساتين، وزحف من جهة الباب الغربي، وقاتل قتالاً شديداً، ثم زحف في آخر شعبان من الباب الغربي والباب القبلي وباب العميان، وجرى فيه قتال شديد، وخرج الملك الظاهر بسهم في ساقه، واستمرت الحرب إلى أيام من رمضان، فلما لم يحصل على غرض، صالح الملك المنصور على مال يحمله إليه، قيل أنه ثلاثون ألف في ينار صورية.
ثم رحل الملك الظاهر إلى دمشق وبها الملك المعظم ابن الملك العادل، فنازلها الملك الظاهر هو وأخوه الملك الأفضل، وانضم إليهما فارس الدين ميمون القصري صاحب نابلس، ومن وافقه من الأمراء الصلاحية، واستقرت القاعدة بين الأخوين الأفضل والظاهر، أنهما متى ملكا دمشق يتسلمها الملك الأفضل، ثم يسيران ويأخذان مصر من الملك العادل، ويتسلمها الملك الأفضل وتسلم دمشق حينئذ إلى الملك الظاهر صاحب حلب، بحيث تبقى مصر