وصل إليه التشريف من الخليفة الإمام الناصر، صحبة الشيخ شهاب الدين السهروردي، فبالغ الملك العادل في إكرام الشيخ، والتقاه إلى القصير، ووصل من صاحبي حلب وحماة ذهب لينثر على الملك العادل إذا لبس الخلعة، فلبسها الملك العادل ونثر ذلك الذهب، وكان يوماً مشهوداً. والخلعة جبة أطلس أسود بطراز مذهب، وعمامة سوداء بطراز مذهب، وطوق ذهب مجوهر، تطوق به الملك العادل، وسيف جميع قرابه ملبس ذهباً، تقلد به، وحصان أشهب بمركب ذهب، ونشر على رأسه علم أسود مكتوب فيه بالبياض اسم الخليفة، ثم خلع رسول الخليفة على كل واحد من الملك الأشرف والملك المعظم ابني الملك العادل عمامة سوداء وثوباً أسود، واسع الكم، وكذلك على الوزير صفي الدين بن شكر، وركب الملك العادل وولداه ووزيره بالخلع ودخل القلعة، وكذلك وصل إلى الملك العادل مع الخلعة تقليد بالبلاد التي تحت حكمه، وخوطب الملك العادل فيه، شاهنشاه ملك الملوك خليل أمير المؤمنين، ثم توجه الشيخ شهاب الدين إلى مصر، فخلع على الملك الكامل بها، وجرى فيها نظير ما جرى في دمشق من الاحتفال، ثم عاد السهروردي إلى بغداد مكرماً معظماً.
وفي هذه السنة اهتم الملك العادل بعمارة قلعة دمشق، وألزم كل واحد من ملوك أهل بيته بعمارة برج من أبراجها.
ذكر قتال خوارزم شاه مع الخطا بما وراء النهر
في هذه السنة كاتبت ملوك ما وراء النهر، مثل ملك سمرقند، وملك بخارى، خوارزم شاه يشكون ما يلقونه من الخطا، ويبذلون له الطاعة والخطبة والسكة ببلادهم، إن دفع الخطا عنهم، فعبر علاء الدين محمد خوارزم شاه بن تكش، نهر جيحون. واقتتل مع الخطا، وكان بينهم عدة وقائع، والحرب بينهم سجال، واتفق في بعض الوقعات أن عسكر خوارزم شاه انهزم، وأخذ خوارزم شاه محمد أسيراً، وأسر معه شخص من أصحابه يقال له فلان بن شهاب الدين مسعود، ولم يعرفهما الخطاي الذي أسرهما، فقال ابن مسعود لخوارزم شاه: دع عنك المملكة وادع أنك غلامي واخدمني لعلي أحتال في خلاصك. فشرع خوارزم شاه يخدم ابن مسعود ويقلعه قماشه وخفه، ويلبسه، ويخدمه، فسأل الخطاي ابن مسعود من أنت؟ قال: أنا فلان، فقال له الخطاي: لولا أخاف من الخطا أطلقتك. فقال له ابن مسعود: إني أخشى أن ينقص خبركما عن أهلي فلا يعلمون بحياتي، وأشتهي أن أعلمهم بحالي لئلا يظنوا موتي ويتقاسموا مالي. فأجابه الخطاي إلى ذلك. فقال ابن مسعود أشتهي أن أبعث بغلامي هذا مع رسولك ليصدقوه. فأجابه إلى ذلك، وراح خوارزم شاه مع ذلك الشخص حتى قرب من خوارزم، فرجع الخطاي واستقر خوارزم شاه في ملكه، وتراجع إليه عسكره.
وكان لخوارزم شاه أخ يقال له علي شاه بن تكش، وكان نائب أخيه بخراسان، فلما بلغه عدم