الدار، فجمع الناس وهجم على غازي وقتله، وحلف العسكر لأخيه محمود بن سنجرشاه، ولقب معز الدين بلقب أبيه، ووصل معز الدين محمود بن سنجر شاه بن زنكي واستقر ملكه بالجزيرة، وقبض على جواري أبيه فغرقهن في دجلة، ثم قبض محمود بعد ذلك أخاه مودوداً.
ثم دخلت سنة ست وستمائة في هذه السنة سار الملك العادل من دمشق، وقطع الفرات، وجمع العساكر والملوك من أولاده، ونزل حران، ووصل إليه بها الملك الصالح محمود بن محمد بن قرا أرسلان الأرتقي، صاحب آمد وحصن كيفا، وسار الملك العادل من حران ونازل سنجار وبها صاحبها قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين زنكي، فحاصرها وطال الأمر في ذلك.
ثم خامرت العساكر التي صحبة الملك العادل، ونقض الملك الظاهر صاحب حلب الصلح معه، فرحل عن سنجار وعاد إلى حران، واستولى الملك العادل على نصيبين، وكانت لقطب الدين محمد المذكور، وكذلك استولى على الخابور.
وفي هذه السنة توفي الملك المؤيد نجم الدين مسعود ابن السلطان صلاح الدين. وفيها توفي الإمام فخر الدين محمد بن عمر، خطيب الري، بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة.
قال ابن الأثير: وبلغني أن مولده سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وكان فخر الدين المذكور مع فضائله يعظ، وله فيه اليد الطولى، وكان يعظ باللسانين العربي والعجمي، ويلحقه في الوعظ الوجد والبكاء، وكان أوحد زمانه في المعقولات والأصول، واشتغل في أول زمانه على والده، ثم قصد الكمال السمعاني واشتغل عليه، ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي، وسافر إلى خوارزم، وما وراء النهر، وجرى له بكردكوه ما تقدم ذكره، وأخرج منها بسبب الكرامية، واتصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة، وحصل له منه مال طائل، ثم عاد فخر الدين إلى خراسان واتصل بالسلطان خوارزم شاه محمد بن تكش، وحظي عنده، ولفخر الدين نظم حسن فمنه:
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم قد رأينا من رجال ودولة ... فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكانت العلماء يقصدونه من البلاد، وتشد إليه الرحال، وقصده ابن عنين الشاعر ومدحه بقصائد.
وفيها في سلخ ذي الحجة، توفي مجد الدين بن السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم، ومولده سنة أربع وأربعين وخمسمائة، المعروف بابن الأثير، أخو عز الدين علي المؤرخ، مؤلف الكامل في التاريخ، وكان مجد الدين المذكور عالماً بالفقه والأصولين،