ورحل عنه، وكان لكيكاؤوس أخ اسمه كيقباذ، فلما جرى ما ذكرناه، سار كيقباذ واستولى على أنكورية من بلاد أخيه كيكاؤوس، فسار كيكاؤوس وحصره وفتح أنكورية وقبض على أخيه كيقباذ وحبسه، وقبض على أمرائه وحلق لحاهم ورؤوسهم، وأركب كل واحد منهم فرساً، وأركب قدامه وخلفه قحبتين، وبيد كل منهما معلاق تصفعه به، وبين يدي كل واحد منهم مناد ينادي: هذا جزاء من خان سلطانهم.
ثم دخلت سنة عشر وستمائة في هذه السنة ظفر عز الدين كيكاؤوس كيخسرو صاحب بلاد الروم بعمه طغريل شاه، فأخذ بلاده وقتله، وذبح أكثر أمرائه وقصد قتل أخيه علاء الدين كيقباذ، فشفع فيه بعض أصحابه، فعفا عنه. وفيها في رمضان توفي بحلب فارس الدين ميمون القصري، وهو آخر من بقي من كبراء الأمراء الصلاحية، وهو منسوب إلى قصر الخلفاء بمصر، كان قد أخذه السلطان صلاح الدين من هناك.
وفيها ولد للملك الظاهر من ضيفة خاتون بنت الملك العادل، ولده الملك العزيز غياث الدين محمد وفي هذه السنة قتل أيدغمش مملوك البهلوان، وكان قد غلب على المملكة، وهي همذان والجبال، قتله خشداش له، من البهلوانية، اسمه منكلي، وكان أيدغمش قد هرب منه والتجأ إلى الخليفة في سنة ثمان وستمائة، ورجع أيدغمش في هذه السنة إلى جهة همذان، فقتل واستقل منكلي بالملك.
وفي هذه السنة في شعبان، توفي ملك المغرب محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف ابن عبد المؤمن، وكانت مدة مملكته نحو ست عشرة سنة، وكان أشقر أسيل الخد، دائم الإطراق، كثير الصمت، للثغة كانت في لسانه، وقد تقدم ذكر ولايته في سنة خمس وتسعين وخمسمائة. ولما مات محمد الناصر المذكور، ملك بعده ولده يوسف، وتلقب بالمستنصر أمير المؤمنين بن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وكنيته أبو يعقوب.
وفيها، وقيل في السنة التي قبلها، توفي علي بن محمد بن علي، المعروف بابن خروف النحوي الأندلسي الإشبيلي، شرح كتاب سيبويه شرحاً جيداً، وشرح الجمل للزجاجي.
وفيها توفي عيسى بن عبد العزيز المجزولي، بمراكش، وكان إماماً في النحو، صنف مقدمته الجزولية، وسماها القانون، أتى فيها بالعجائب، واعتنى بها جماعة من الفضلاء، وأكثر النحاة يعترفون بقصور إفهامهم عن إدراك مراده منها، فإنها كلها رموز وإشارات، قدم الجزولي المذكور إلى ديار مصر، على ابن بري النحوي، ثم عاد إلى الغرب، والجزولي - بضم الجيم - منسوب إلى جزولة، وهي بطن من البربر، ويقال لها كزولة أيضاً، وشرح مقدمته في مجلد كبير أتى فيه بغرائب وفوائد.
ثم دخلت سنة إحدى عشر وستمائة في هذه السنة توفي دلدرم بن ياررق، صاحب تل باشر، وولي تل باشر بعده ابنه فتح الدين. وفيها توفي الشيخ علي بن أبي بكر الهروي وله التربة المعروفة شمالي حلب، وكان عارفاً بأنواع الحيل والشعبذة والسيماوية، تقدم عند الملك الظاهر غازي صاحب حلب،