ودخل الملك المظفر ومضى إلى دار الوزير المعروفة بدار الأكرم داخل باب المغار، وهي الآن مدرسة تعرف بالخاتونية، وقفتها عمتي مؤنسة خاتون بنت الملك المظفر المذكور، وحضر أهل حماة وهنوا الملك المظفر بملك حماة، وكان ذلك في العشر الأخير من رمضان من هذه السنة، وكان مدة ملك الملك الناصر قليج أرسلان حماة تسع سنين إلا نحو شهرين، وأقام الملك المظفر في دار الأكرم يومين وصعد في اليوم الثالث إلى القلعة، وتسلمها، وجاء عيد الفطر من هذه السنة والملك المظفر مالك حماة، وعمره يومئذ نحو سبع وعشرين سنة، لأن مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة. وكان أخوه الملك الناصر قليج أرسلان أصغر منه بسنة، ولما ملك الملك المظفر حماة، فوض تدبير أمورها، صغيرها وكبيرها، إلى الأمير سيف الدين علي الهدباني، وكان سيف الدين علي بن أبي علي المذكور، قد خدم الملك المظفر بعد ابن عمه حسام الدين ابن أبي علي الذي كان نائب الملك المظفر بسلمية، لما سلمت إليه، وهو بمصر عند الملك الكامل.
ثم حصل بين الملك المظفر وبين حسام الدين بن أبي علي وحشة، ففارقه حسام الدين المذكور واتصل بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل، وحظي عنده وصار أستاذ داره، وخدم ابن عمه سيف الدين علي المذكور الملك المظفر، وكان يقول له: أشتهي أن أراك صاحب حماة، وأكون بعين واحدة، فأصيبت عين سيف الدين علي على حصار حماة، لما نازلها عسكر الملك الكامل، وبقي بفرد عين، فحظي عند الملك المظفر لذلك، ولكفاية سيف الدين المذكور، وحسن تدبيره. ولما استقر الملك المظفر في ملك حماة، انتزع الملك الكامل سلمية منه، وسلمها إلى شيركوه صاحب حمص، على ما كان وقع عليه الاتفاق من قبل ذلك، ثم إن الملك الكامل رسم للملك المظفر أن يعطي أخاه الملك الناصر قليج أرسلان بارين بكمالها، فامتثل لذلك وسلم قلعة بارين إلى أخيه الملك الناصر، ولم يبق بيد الملك المظفر غير حماة والمعرة، وكان بحماة تقدير أربعمائة ألف درهم للملك الناصر، وكان قد رسم الملك الكامل للملك المظفر أن يعطي المال المذكور أخاه الملك الناصر، فماطل المظفر في ذلك، ولم يحصل للملك الناصر من ذلك شيء، ولما استقر الملك المظفر بحماة مدحه الشيخ شرف الدين عبد العزيز محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي بقصيدة، من جملتها:
تناهى إليك الملك واشتد كاهله ... وحل بك الراجي فحطت رواحله
ترحلت عن مصر فأمحل ربعها ... ولما حللت الشام روض ما حله