للأسود المذكور ابن عم يقال له أبو أذينة، قد قتل آل غسان له أخاً في بعض الوقائع، فقال أبو أذينة في ذلك قصيدته المشهورة يغري الأسود بقتلهم منها:
ما كل يوم ينال المرء ما طلبا ... ولا يسوغه المقدار ما وهبا
وأحزم الناس من إِنْ فرصة عرضت ... لم يجعل السبب الموصول منقضبا
وأنصف الناس في كل المواطن من ... سقى المعادين بالكأس الذي شربا
وليس يظلمهم من راح يضربهم ... بحد سيف به من قبلهم ضربا
والعفو إِلا عن الأكفاء مكرمة ... من قال غيره الذي قد قلته كذبا
قتلت عمراً وتستبقي يزيد لقد ... راًيت رأياً يجر الويل والحربا
لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إِنْ كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا
هم جردوا السيف فاجعلهم له جزراً ... وأوقد النار فاجعلهم لها حطبا
إِن تعف عنهم يقول الناس كلهم ... لم يعف حلماً ولكن عفوه رهبا
هم أهلة غسان ومجدهم ... عال فإِن حاولوا ملكاً فلا عجبا
وعرضوا بفداء واصفين لنا ... خيلاً وِإبلاً تروق العجم والعربا
أيحلبون دماً منّا ونحلبهم ... رسلاً لقد شرفونا في الورى حلبا
علام تقبل منهم فدية وهم ... لا فضة قبلوا منا ولا ذهبا
ونقلت ذلك من مجموع بخط القاضي شمس الدين بن خلكان، ورأيت في تاريخ ابن الأثير خلاف ذلك، فقال: إِن الأسود قتلته غسان، وانتصرت عليه غسان، ثم قال ابن الأثير وقيل غير ذلك، وانتهى ملك الأسود بن المنذر المذكور في زمن فيروز.
ثم ملك بعده أخوه المنذر بن المنذر بن النعمان الأعور، ثم ملك بعده علقمة الذميلي، وذميل بطن من لخم، ثم ملك بعده امرؤ القيس بن النعمان ابن امرئ القيس المحرق، وهو الذي قتل سنمار الذي بنى لامرئ القيس المذكور قصره، وفيه يقول المتلمس:
جزاني أبو لخم على ذات بيننا ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
ثم ملك بعده ابنه المنذر بن امرئ القيس، وكانت أم المنذر المذكور يقال لها، ماء السماء واشتهر المنذر المذكور بأمه، فقيل له المنذر بن ماء السماء، ولقبت بماء السماء لحسنها، واسمها ماوية بنت عوف بن جشم، وطرد كسرى قباذ المنذر المذكور عن ملك الحيرة، وملك موضعه الحارث بن عمرو بن حجر الكندي، لأن قباذ كان قد دخل في دين مردك، ووافقه الحارث ولم يوافقه المنذر فطرد لذلك، ثم لما تمكن كسرى أنوشروان بن قباذ المذكور في الملك، طرد الحارث وأعاد المنذر بن ماء السماء إِلى ملك الحيرة، وقد تقدم ذكر ذلك مع ذكر أنوشروان، في الفصل الثاني من هذا الكتاب.
ثم ملك بعد المنذر عمرو مضرط الحجارة، وهو ابن المنذر بن ماء السماء، وكان اسم أمه