ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وستمائة في أوائل هذه السنة، قدم الملك المنصور محمد صاحب حماة، وصحبته الملك الأفضل علي، إلى خدمة السلطان الملك المنصور قلاوون بالديار المصرية، فبالغ السلطان في إكرام صاحب حماة، والإحسان إليه، وأنزله بالكبش، وأركبه بالسناجق السلطانية، والجفتا والغاشية، وسأله عن حوائجه، فقال الملك المنصور حاجتي أن أعفى من هذا اللقب فإنه ما بقي يصلح لي أن ألقب بالملك المنصور؛ وقد صار هذا لقب مولانا السلطان الأعظم، فأجابه السلطان بأبي ما تلقيت بهذا الاسم، إلا لمحبتي فيك، ولو كان لقبك غير ذلك كنت تلقبت به، فشيء فعلته محبة لاسمك، كيف أمكن من تغييره، وطلع السلطان بالعسكر المصري لحفر الخليج الذي بجهة البحيرة، وسار صاحب حماة في خدمته إلى الحفير، ثم أعطى بعد ذلك الدستور لصاحب حماة، فعاد مكرماً مغموراً بالصدقات السلطانية.
وفيها رمى السلطان الملك الصالح علاء الدين علي ابن السلطان، بجعاً بجهة العباسة بالبندق، وأرسله للملك المنصور محمد صاحب حماة، فقبله وبالغ في إظهار السرور والفرح بذلك، وأرسل إليه تقدمة جليلة.
وفيها خرج أرغون بن أبغا بخراسان على عمه بيكدار، المسمى بأحمد سلطان، وسار إليه واقتتلا، فانهزم أرغون، وأخذه أحمد أسيراً، وسأل الخواتين في إطلاق أرغون وإقراره على خراسان، فلم يجب إلى ذلك، وكانت خواطر المغل قد تغيرت على أحمد، بسبب إسلامه وإلزامه لهم بالإسلام، فاتفقوا على قتله، وقصدوا أرغون بالموضع الذي هو معتقل فيه، وأطلقوه وكبسوا الناق نائب أحمد فقتلوه، ثم قصدوا الأردو، فأحس بهم السلطان أحمد، فركب وهرب، فتبعوه وقتلوه، وملكوا أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان، وذلك في جمادى الأولى من هذه السنة.
وفيها قتل أرغون الصبي، سلطان الروم، الذي أقامه البرواناه بعد قتله أباه، حسبما تقدم ذكره في سنة ست وستين وستمائة، وكان اسم الصبي المذكور، غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليج أرسلان بن كيخسرو بن قليج أرسلان، وفوض اسم سلطنة الروم إلى مسعود بن عز الدين كيكاؤوس، وهذا مسعود هو الذي هرب من منكوتمر ملك التتر بصراي، وأبوه عز الدين كيكاؤوس، هو الذي جرى له مع الأشكري صاحب قسطنطينية على ما قدمنا ذكره في سنة اثنتين وستين وستمائة، واستمرت سلطنة الروم باسم مسعود المذكور إلى سنة ثمان وسبعمائة، وهو مسعود ابن كيكاؤوس بن كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن قطلومش، من السلجوقية ببلاد الروم. وافتقر مسعود المذكور، وانكشف حاله جداً، حتى قيل إنه تناول سماً فمات، من كثرة المطالبة من أرباب الدين والتتر.
وفيها ولى أرغون، سعد الدولة اليهودي، وعظمه ومكنه، وكان سعد الدولة المذكور، في مبدأ أمره، دلالاً بسوق الصناعة بالموصل، فحكم في سائر البلاد التي