للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتل جساس أرسل أبوه مرة يقول لمهلهل: قد أدركت ثأرك وقتلت جساساً، فاكفف عن الحرب، ودع اللجاج والإِسراف. فلم يرجع مهلهل عن القتال. ولما طالت الحروب بينهم، وأدركت تغلب ما أرادته من بكر، أجابوهم إِلى الكف عن القتال، وعدم مهلهل، واختلف في صورة عدمه، تركنا ذكره للاختصار.

ومن ملوك العرب زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث ابن قطيعة بن عبس. وهو والد الملك قيس بن زهير العبسي، وكان لزهير أتاوة على هوازن يأخذها كل سنة في عكاظ، وهو سوق العرب أيام الموسم بالحجاز، وكان يسوم هوازن الخسف، فكان في قلوبهم منه، ووقعت الحرب بين زهير وبين عامر، فاتفقت هوازن مع خالد بن جعفر بن كلاب وبني عامر على حرب زهير، واقتتلوا معه فاعتنق زهير وخالد وتقاتلا، فقتل زهير وسلم خالد، وكانت الوقعة بالقرب من أرض هوازن، فحملت زهيراً بنوه ميتاً إِلى بلادهم، فقال: ورقة بن زهير أبياتاً في ذلك منها يقول لخالد المذكور:

فَطِر خالد إِن كنت تسطيع طيرة ... ولا تقعن إِلا وقلبك حاذر

أتتك المنايا إِنْ بقيت بضربة ... تفارق منها العيش والموت حاضرُ

ولما كان من خالد بن جعفر بن كلاب ما كان من قتل زهير، خاف وسار إِلى النعمان بن امرئ القيس اللخمي ملك الحيرة واستجار به، وكان زهير سيد غطفان، فانتدب منهم الحارث بن ظالم المري، وقدم إِلى النعمان في معنى حاجة له، وكان النعمان قد ضرب لخالد قبة، فلما جنَّ الليل، دخل الحارث إلى خالد وقتله في قبته غيلة وهرب وسلم.

ثم جمع الأخوص بن جعفر، وهو أخو خالد، بين عامر وأخذ في طلب الحارث المري، وكذلك أخذ النعمان في طلبه لقتله جاره، وجرى بسبب ذلك حروب وأمور يطول شرحها وكان آخرها يوم شعب جبلة، على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى.

ومن ملوك العرب الملك قيس بن زهير العبسي المذكور، وكان قد جمع لقتال بني عامر أخذاً بثأر أبيه زهير.

ثم نزل قيس بالحجاز، وفاخر قريشاً، ثم رحل عن قريش ونزل على بني بدر الفزاري الذبياني، ونزل على حذيفة بن بدر منهم، وكان قيس قد اشترى من الحجاز حصانه داحساً وفرسه الغبراء، وقد قيل أن الغبراء بنت داحس استولدها قيس من داحس ولم يشترها. وكان لحذيفة بن بدر فرسان يقال لهما الخطار والحنفاء، وقصدان يسابق مع فرسي قيس، داحس والغبراء، فامتنع قيس وكره السباق، وعلم أنه ليس في ذلك خير، فأبى حذيفة إِلا المسابقة، فأجروا الأربعة المذكورة بموضع يقال له ذات الأصاد، وكان الميدان نحو مائة غلوة، والغلوة الرمية بالسهم أبعد ما يمكن، كان الرهن مائة بعير، فسبق داحس سبقاً بيناً والناس ينظرون إِليه، وكان حذيفة قد أكمن في طريق الخيل من يعترض داحساً إِنْ جاءَ سابقاً، فاعترضه ذلك القوم وضربوه على وجهه، فتأخر

<<  <  ج: ص:  >  >>