جبرين مكانه، ولبس الخلعة وحكم من ساعته، واستعفيته من مباشرة الحكم بالبر في الحال، فأعفاني وكذلك أخي بعد مدة، فأنشدته ارتجالاً:
جنبتني وأخي تكاليف القضاء ... وكفيتنا مرضين مختلفين
يا حي عالمنا لقد أنصفتنا ... فلك التصرف في دم الأخوين
وفيه أعني ذي الحجة، توجه الأمير عز الدين أزدمر النوري، نائب بهسني، لمحاصرة قلعة درندة بمن عنده من الأمراء والتركمان، وفتحت بالأمان في منتصف المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.
وفيها أعني سنة ست وثلاثين وسبعمائة، توفي الشيخ العارف الزاهد، مهنا ابن الشيخ إبراهيم ابن القدوة مهنا الفوعي، بالفوعة في خامس عشر شوال ورثيته بقصيدة أولها:
أسأل الفوعة الشديدة حزناً ... عن مهنأ هيهات أين مهنا
أين من كان أبهج الناس وجهاً ... فهو أسمى من البدور وأسنى
ومنها:
أين شيخي وقدوتي وصديقي ... وحبيبي وكل ما أتمنى
كيف لا يعظم المصاب لصدر ... نحن منه مودة وهو منا
جعفري السلوك والوضع حتى ... قال عبس عنه مهنا مهنا
أي قلب به ولو كان صخراً ... ليس يحكي الخنساء نوحاً وحزناً
أذكرتنا وفاته بأبيه ... وأخيه أيام كانوا وكنا
وهي طويلة. كان جده مهنا الكبير، من عباد الأمة، ترك أكل اللحم زماناً طويلاً لما رأى اختلاط الحيوانات في أيام هولاكو، لعنه الله، وكان قومه على غير سنة، فهدى الله الشيخ مهنا من بينهم، وأقام مع التركمان راعياً ببرية حران، فبورك للتركمان في مواشيهم ببركته، وعرفوا بركته، وحصل له نصيب من الشيخ حياة بن قيس بحران، وهو في قبره، وجرت له معه كرامات، فرجع مهنا إلى الفوعة وصحب شيخنا تاج الدين جعفراً السراج الحلبي، وتلمذ له وانتفع به، وصرفه مهنا في ماله، وخلفه على السجادة بعد وفاته، ودعا إلى الله تعالى، وجرت له وقائع مع الشيعة، وقاسى معهم شدائد، وبعد صيته، وقصد بالزيارة من البعد، وجاور بمكة شرفها الله تعالى سنين، ثم بالمدينة، على سكانها أفضل الصلاة والسلام، وجرت له هناك كرامات مشهورة بين أصحابه وغيرهم، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم، رد عليه السلام من الحجرة وقال: وعليك السلام يا مهنا، ثم عاد إلى الفوعة وأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى، في المحرم، سنة أربع وثمانين وستمائة.
وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ إبراهيم، فسار أحسن سير، ودعا إلى الله تعالى على قاعدة والده،