للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب، وولي كتابة السر بدمشق، وتولى كتابة السر بحلب مكانه، القاضي جمال الدين إبراهيم ابن الشهاب محمود الحلبي.

وفيها في جمادى الأولى، بلغنا أن نائب الشام يلبغا خرج إلى ظاهر دمشق، خوفاً من القبض عليه، وشق العصا وعاضد أمراء مصر، حتى خلع السلطان الملك الكامل شعبان، وأجلسوا مكانه أخاه السلطان الملك المظفر أمير حاج، وسلموا إليه أخاه الكامل، فكان آخر العهد به، وناب عن المظفر بمصر الحاج أرقطاي المنصور، ولما تم هذا الأمر تصدق يلبغا في المملكة الحلبية وغيرها بمال كثير ذهب وفضة، شكراً لله تعالى، وكان هذا الملك الكامل سيء التصرف، يولي المناصب غير أهلها بالبذل، ويعزلهم عن قريب ببذل غيرهم، وكان يقول عن نفسه أنا ثعبان لا شعبان.

وفيها في رجب، توفي بحلب الأمير شهاب الدين قرطاي الأسندمري، من مقدمي الألوف، أمير عفيف الذيل متصون.

وفيها في مستهل رجب، سافر طقتمر الأحمدي نائب حلب إلى الديار المصرية، وسببه وحشة بينه وبين نائب الشام، فإنه ما ساعده على خلع الكامل وحفظ أيمانه.

وفيها وقع الوباء ببلاد أزبك، وخلت قرى ومدن من الناس، ثم اتصل الوباء بالقرم، حتى صار يخرج منها في اليوم ألف جنازة، أو نحو ذلك، حكى لي ذلك من أثق به من التجار، ثم اتصل الوباء بالروم، وهلك منهم خلق، وأخبرني تاجر من أهل بلدنا قدم من تلك البلاد، أن قاضي القرم قال: أحصينا من مات بالوباء، فكانوا خمسة وثمانين ألف، غير من لا نعرفه، والوباء اليوم بقبرس، والغلاء العظيم أيضاً.

وفيها في شعبان، وصل إلى حلب الأمير سيف الدين بيدمر البدري، نقل إليها من طرابلس، وولي طرابلس مكانه، وهذا البدري عنده حدة، وفيه بدرة، ويكتب على كثير من القصص بخطه، وهو خط قوي.

وفيها توفي بطرابلس قاضيها شهاب الدين أحمد بن شرف الزرعي، وتولى مكانه القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف الحموي.

وفيها في ذي الحجة، صدرت بحلب واقعة غريبة، وهي أن بنتاً بكراً من أولاد أولاد عمرو التيزيني، كرهت زوجها ابن المقصوص، فلقنت كلمة الكفر لينفسخ نكاحها قبل الدخول، فقالتها وهي لا تعلم معناها، فأحضرها البدري بدار العدل بحلب، وأمر فقطعت أذناها وشعرها، علق ذلك في عنقها، وشق أنفها، وطيف بها على دابة بحلب وبتيزين، وهي من أجمل البنات وأحياهن، فشق ذلك على الناس، وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية بحلب، حتى نساء اليهود، وأنكرت القلوب قبح ذلك، وما أفلح البدري بعدها. قلت:

وضج الناس من بدر منير ... يطوف مشرعاً بين الرجال

ذكرت ولا سواء بها السبايا ... وقد طافوا بهن على الجمال

<<  <  ج: ص:  >  >>