ولم يفرضها الحنفية لإطلاق قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ﴾ [المزمل: ٢٠]. فتجوز الصلاة بأي قراءة كانت.
قالوا والزيادة على النص تكون نسخًا لإطلاقه، وذا غير جائز، ولا يجوز أن يجعل بيانًا للآية، لأنه لا إجمال فيها، إذ المجمل ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث، فيكون واجبًا إثم تاركه، وتجزئ الصلاة بدونه.
والفرض آية قصيرة عند أبي حنيفة كمدهامتان، وقال صاحباه آية طويلة أو ثلاث آيات، وتتعين ركعتان لفرض القراءة لقوله ﵊، القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين، وتسن في الأخريين الفاتحة خاصة، وإن سبّح فيهما أو سكت جاز لعدم فرضية القراءة فيهما.
لنا قوله ﵊: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، رواه الإسماعيلي بسند حديث الباب من طريق العباس بن الوليد النرسي، أحد شيوخ البخاري، وقوله ﵊: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، رواه ابن خزيمة.
واستدلّ من أسقطها عن المأموم مطلقًا كالحنفية بحديث: من صلّى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة.
قال في الفتح وهو حديث ضعيف عند الحفاظ.
واستدلّ من أسقطها عنه في الجهرية، كالمالكية بحديث: فإذا قرأ فأنصتوا. رواه مسلم، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين، فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام، ويقرأ إذا سكت. وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام.
وقد ثبت الإذن بقراءة الفاتحة للمأموم في الجهرية بغير قيد، فيما رواه المؤلّف في جزء القراءة، والترمذي وابن حبان عن عبادة قال: إن النبي ﷺ ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال ﷺ: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة إلاّ بها.
ورواة حديث الباب ما بين بصري ومكّي، وفيه التحديث والعنعنة والقول أخرجه مسلم في الصلاة أيضًا، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.