للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش. قال أبو سفيان (قلت: لا).

فإن قلت: لمِ لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن قوله هل يرتد أحد منهم الخ، أجيب: بأنه لا ملازمة بين الازدياد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، وإنما سأل عن الارتداد لأن من دخل على بصيرة في أمر محقق لا يرجع عنه بخلاف من دخل في أباطيل. (قال) هرقل: (فهل كنتم تتهمونه بالكذب) على الناس (قبل أن يقول ما قال) قال أبو سفيان: (قلت: لا) وإنما عدل عن السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة تقريرًا لهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها. (قال) هرقل (فهل يغدر) بدال مهملة مكسورة أي ينقض العهد؟ قال أبو سفيان: (قلت لا، ونحن منه) أي النبي (في مدة) أي مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره عنّا. (لاّ ندري ما هو فاعل فيها) أي في المدة، وفي قوله: لا ندري إشارة إلى عدم الجزم بغدره (قال) أبو سفيان (ولم تمكني) بالمثناة الفوقية أو التحتية (كلمة أدخل فيها شيئًا) انتقصه به (غير هذه الكلمة). قال في الفتح: التنقيص هنا أمر نسبي لأن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة، وقد كان معروفًا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر، ولكن لما كان الأمر مغيبًا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب، ولذا أورده على التردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه اهـ. وغير بالرفع صفة لكلمة، ويجوز فيها النصب صفة لشيئًا وليس في الفرع غير الأوّل، وصحح عليه.

فإن قلت: كيف يكون غير صفة لهما وهما نكرتان وغير مضاف إلى المعرفة؛ أجيب: بأنه لا يتعرف بالإضافة إلا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، وههنا ليس كذلك. وعورض بأن هذا مذهب ابن السراج والجمهور على خلافه فنحو غير المغضوب عليهم يعرب بدلاً من الذين أو صفة له تنزيلاً للموصول منزلة النكرة فجاز وصفها بالنكرة. (قال) هرقل (فهل قاتلتموه) نسب ابتداء القتال إليهم ولم ينسبه إليه لما اطّلع عليه من أن النبي لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه، قال أبو سفيان (قلت نعم) قاتلناه. (قال) هرقل (فكيف كان قتالكم إياه) بفصل ثاني الضميرين والاختيار أن لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل، وقيل قتالكم إياه أفصح من قتالكموه باتصال الضمير، فلذلك فصله وصوّبه العيني تبعًا لنص الزمخشري. قال أبو سفيان (قلت) وللأصيلي قال (الحرب بيننا وبينه سجال) بكسر السين المهملة وبالجيم المخففة أي نوب نوبة لنا ونوبة له كما قال (ينال منا وننال منه) أي يصيب منا ونصيب منه. قال البلقيني: هذه الكلمة فيها دسيسة أيضًا لأنهم لم ينالوا منه قطّ، وغاية ما في غزوة أُحُد أن بعض المقاتلين قتل وكانت العزة والنصرة للمؤمنين اهـ.

وتعقب بأنه قد وقعت المقاتلة بينه وبينهم قبل هذه القصة في ثلاثة مواطن: بدر وأُحُد والخندق، فأصاب المسلمون من المثركين في بدر وعكسه في أُحُد وأصيب من

<<  <  ج: ص:  >  >>