الطائفتين ناس قليل في الخندق، فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب منه، وحينئذ فلا دسيسة هنا في كلام أبي سفيان كما لا يخفى، والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
قال في المصابيح: فإن قلت: فما يصنع الشلوبين القائل بأنها في حكم مفسرها إن كان ذا محل فهي كذلك وإلاّ فلا، وهي ههنا مفسرة للخبر فيلزم أن تكون ذات محل لكنها خالية عن رابط يربطها بالمبتدأ قلت: تقدره أي ينال منا فيها وننال فيها منه اهـ.
والسجال مرفوع خبر للحرب واستشكل جعله خبرًا لكونه جمعًا والمبتدأ مفرد فلم تحصل المطابقة بينهما، وأجيب كما في الفتح بأن الحرب اسم جنس والسجال اسم جمع، وتعقبه العيني بأن السجال ليس اسم جمع بل هو جمع وبينهما فرق، وجوّز أن يكون سجال بمعنى المساجلة فلا يرد السؤال أصلاً. وفي قوله الحرب بيننا وبينه سجال تشبيه بليغ شبه الحرب بالسجال مع حذف أداة التشبيه لقصد المبالغة كقولك: زيد أسد إذا أردت به المبالغة في بيان شجاعته فصار كأنه عين الأسد. وذكر السجال وأراد به النوب يعني الحرب بيننا وبينه نوب نوبة لنا ونوبة له كالمستقيين إذا كان بينهما دلو يستقي أحدهما دلوًا والآخر دلوًا.
(قال) هرقل (ما) بإسقاط الباء الموحدة في اليونينية وهي مكشوطة من الفرع، وفي بعض الأصول بما، وفي نسخة فما (ذا يأمركم)، أي ما الذي يأمركم به؟ قال أبو سفيان:(قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا) بالواو، وفي رواية المستملي اعبدوا الله لا تشركوا بحذف الواو، وحينئذ فيكون تأكيدًا لقوله وحده، وهذه الجملة عطف على اعبدوا الله وهي من عطف المنفي على المثبت وعطف الخاص على العام؛ على حدّ ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ [القدر: ٤]، فإن عبادته تعالى أعمّ من عدم الإشراك به (واتركوا ما يقول آباؤكم) من عبادة الأصنام وغيرهما مما كانوا عليه في الجاهلية. (ويأمرنا بالصلاة) المعهودة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، وفي نسخة مما في اليونينية بزيادة والزكاة (والصدق) وهو القول المطابق للواقع. وفي رواية للمؤلف بالصدقة بدل الصدق، ورجحها الإمام البلقيني، قال الحافظ ابن حجر: ويقوّيها رواية المؤلف في التفسير والزكاة وقد ثبت عنده من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي اللفظان الصدقة والصدق (والعفاف) بفتح العين أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة (والصلة) للأرحام وهي كل ذي رحم لا تحلّ مناكحته أو فرضت الأنوثة مع الذكورة، أو كل ذي قرابة. والصحيح عمومه في كل ما أمر الله به أن يوصل كالصدقة والبر والإنعام. قال في التوضيح: من تأمل ما استقرأه هرقل من هذه الأوصاف تبين له حسن ما استوصف من أمره واستبرأه من حاله والله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعدته المقادير بتخليد ملكه والأتباع (فقال) هرقل (للترجمان قل له) أي لأبي سفيان: (سألتك عن) رتبة (نسبه) فيكم أهو شريف أم لا (فذكرت أنه فيكم ذو) أي صاحب (نسب) شريف عظيم (فكذلك) بالفاء وللأربعة وكذلك (الرسل تبعث في) أشرف (نسب قومها) جزم به هرقل لما تقرر عنده في الكتب السالفة.