سلمنا أنه كان في الصلاة، لكن يحتمل أنه وقع قبل النهي. نعم، في المراسيل لأبي داود، عن مقاتل بن حيان: أن الصلاة حينئذ كانت قبل الخطبة، فإذا ثبت زال الإشكال. لكنه مع شذوذه معضل.
وجواب بينما قوله:(إذ أقبلت عير) بكسر العين، إبل (تحمل طعامًا) من الشام لدحية الكلبي، أو لعبد الرحمن بن عوف: روى الأوّل الطبراني، والثاني ابن مردويه، وجمع بينهما باحتمال أن تكون لعبد الرحمن، ودحية سفير، أو كانا مشتركين (فالتفتوا إليها) أي انصرفوا إلى العير، وفي رواية ابن فضيل في البيوع: فانفضّ الناس، أي فتفرقوا، وهو موافق للفظ الآية، (حتى ما بقي مع النبي ﷺ إلا اثنا عشر رجلاً) في رواية علي بن عاصم. عن حصين: حتى لم يبق معه إلا أربعون رجلاً. رواه الدارقطني.
ولو سلم من ضعف حفظ علي بن عاصم وتفرده، فإنه خالفه أصحاب حصين كلهم، لكان من أقوى الأدلة للشافعية.
وردّ المالكية على الشافعية والحنابلة، حيث اشترطوا لصحة الجمعة أربعين رجلاً، بقوله في حديث الباب: حتى ما بقي مع النبي ﷺ إلا اثنا عشر رجلاً:
وأجيب: بأنه ليس فيه أنه ابتدأها باثني عشر، بل يحتمل عودهم قبل طول الزمان، أو عود غيرهم مع سماعهم أركان الخطبة.
وقد اختلف فيما إذا انفضوا، فقال الشافعية والحنابلة: لو انفض الأربعون أو بعضهم في أثناء الخطبة، أو بينها وبين الصلاة، أو في الركعة الأولى ولم يعودوا، أو عادوا بعد طول الفصل، استأنف الإمام الخطبة والصلاة.
ولو انفض السامعون للخطبة بعد إحرام تسعة وثلاثين لم يسمعوا الخطبة، أتم بهم الجمعة، لأنهم إذا لحقوا والعدد تام، صار حكمهم واحدًا، فسقط عنهم سماع الخطبة، أو انفضوا قبل إحرامهم استأنف الخطبة بهم، لأنه لا تصح الجمعة بدونها، وإن قصر الفضل لانتفاء سماعهم ولحوقهم.
وقال أبو حنيفة: إذا نفر الناس قبل أن يركع الإمام ويسجد إلا النساء، استقبل الظهر.
وقال صاحباه: إذا نفروا عنه بعدما افتتح الصلاة، صلّى الجمعة. وإن نفروا عنه بعدما ركع وسجد سجدة، بنى على الجمعة في قولهم جميعًا، خلافًا لزفر.
وقال المالكية: إن انفضوا بحيث لا يبقى مع الإمام أحد، فلا تصح الجمعة، وإن بقي معه اثنا عشر صحت، ويتم بهم جمعة إذا بقوا إلى السلام، فلو انفض منهم شيء قبل السلام بطلت.