وأوجبه أبو حنيفة، لقول عمر المروي في النسائي، وابن ماجة، وابن حبان: صلاة السفر ركعتان تام غير قصر، على لسان نبيكم ولقول عائشة، ﵂، المروي عند الشيخين: أوّل ما فرض الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر.
وأجيب: بأن الأول: مؤول بأنه كالتام في الصحة والإجزاء، والثاني: لا ينفي جواز الزيادة.
لكن أكثر السلف على وجوبه. وقال كثير منهم هذه الآية في صلاة الخوف.
فالمراد أن تقصروا من جميع الصلوات، بأن تجعلوها ركعة واحدة، أو من كيفيتها، إلا من كميتها، والآية الآتية فيها تبيين وتفصيل لها، كما سيجيء.
وسئل ابن عمر، ﵄، إنّا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف، ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال ابن عمر: إنّا وجدنا نبينا يعمل فعملنا به.
وعلى هذا فقوله (﴿إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا﴾) بالقتال بالتعرض لما يكره، شرط له باعتبار الغالب في ذلك الوقت. وإذا لم يعتبر مفهومه، فإن الإجماع على جواز القصر في السفر من غير خوف (﴿وإن الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا وإذا كنت فيهم﴾) أيها الرسول، علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي الأئمة بعده به، ﵊(﴿فأقمت لهم الصلاة﴾) وتمسك بمفهومه من خص صلاة الخوف بحضرته، ﵊، وهو أبو يوسف، والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه، وإبراهيم بن علية. وقالوا: ليس هذا لغيره، لأنها إنما شرعت بخلاف القياس لإحراز فضيلة، الصلاة معه، ﵊، وهذا المعنى انعدم بعده.
وأجيب: بأن عامة الفقهاء على أن الله تعالى علم الرسول كيفيتها ليؤتم به، كما مر. أي: بيّن لهم بفعلك، لكونه أوضح من القول. وقد أجمع الصحابة ﵃ على فعله بعده، ﵊، وبقوله ﵊:"صلوا كما رأيتموني أصلي" فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم.
وادعى المزني نسخها، لتركه ﷺ لها يوم الخندق.
وأجيب: بتأخر نزولها عنه، لأنها نزلت سنة ست، والخندق كان سنة أربع أو خمس.
(﴿فلتقم طائفة منهم معك﴾) فاجعلهم طائفتين، فلتقم إحداهما معك يصلون، وتقوم الطائفة الأخرى في وجه العدو (﴿وليأخذوا أسلحتهم﴾) أي: المصلون، حزمًا. وقيل: الضمير للطائفة الأخرى، وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم (﴿فإذا سجدوا﴾) يعني: المصلين (﴿فليكونوا﴾) أي: غير المصلين (﴿من ورائكم﴾) يحرسونكم، يعني: النبي ومن يصلّي معه، فغلب المخاطب على الغائب، (﴿ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا﴾) لاشتغالهم بالحراسة (﴿فليصلوا معك﴾) ظاهره أن الإمام يصلّي مرتين، بكل طائفة مرة كما فعله ﵊ ببطن نخل (﴿وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم﴾)