ليواطئ القلب وليس مشغولاً بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله تعالى بالجوارح الظاهرة والباطنية. ووجه الحصر في الخمسة أن العبادة إما قولية أو غيرها. الأولى الشهادتان، والثانية إما تركية أو فعلية، الأولى الصوم، والثانية إما بدنية أو مالية الأولى الصلاة، والثانية الزكاة أو مركبة منهما وهي الحج، وقد ذكره مقدّمًا على الصوم. وعليه بنى المصنف ترتيب جامعه هذا. لكن عند مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر تأخير الصوم عن الحج، فقال رجل وهو يزيد بن بشر السكسكي: والحج وصوم رمضان. فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله ﷺ. فيحتمل أن يكون حنظلة رواه هنا بالمعنى لكونه لم يسمع رد ابن عمر على يزيد أو سمعه ونسيه، نعم رواه ابن عمر في مسلم من أربع طرق تارة بالتقديم وتارة بالتأخير.
فإن قلت: لِمَ لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وأسقط الجهاد؟ أجيب: بأن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة لأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات. وفي قوله: بني الخ استعارة بأن يقدر الاستعارة في بني، والقرينة في الإسلام شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على هذه الأعمدة الخمسة، ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنية بأن تكون الاستعارة في الإسلام والقرينة بني على التخييل بأن شبه الإسلام بالبيت، ثم خيل كأنه بيت على المبالغة، ثم أطلق الإسلام على ذلك المخيل، ثم خيل له ما يلزم الخباء المشبه به من البناء، ثم أثبت له ما هو لازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية ثم نسبه إليه ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة.
ويجوز أن تكون استعارة بالكناية لأنه شبه الإسلام بمبنيّ له دعائم، فذكر المشبه وطوى ذكر المشبه به وذكر ما هو من خواص المشبه به وهو البناء، ويسمى هذا استعارة ترشيحية، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية، فإنه مثل حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها التي تدور عليه هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء.
وقال في الفتح، فإن قلت: الأربعة المذكورة بعد الشهادة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب: بجواز ابتناء أمر على أمر يبتنى على الأمرين أمر آخر.
فإن قلت: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه. فالجواب أن المجموع غير من حيث الانفراد عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود ولو سقط ما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد وبالنظر إلى أفراده أشياء. وأيضًا فبالنظر إلى أسّه وأركانه الأس أصل والأركان تبع وتكملة، والله الموفق. ومن لطائف إسناد هذا الحديث