وحكي عن أبي هريرة: أنه كان يقول: مطرنا بنوء الله تعالى. وفي رواية: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فاطر: ٢].
وقال ابن العربي: أدخل الإمام مالك هذا الحديث في أبواب الاستسقاء، لوجهين: أحدهما: أن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء، فقطع النبي ﷺ، هذه العلاقة بين القلوب والكواكب.
الوجه الثاني: أن الناس أصابهم القحط في زمن عمر بن الخطاب، ﵁، فقال للعباس،﵁: كم بقي من أنواء الثريا؟ فقال له العباس: زعموا، يا أمير المؤمنين، أنها تعترض في الأفق سبعًا، فما مرّت حتى نزل المطر. فانظروا إلى عمر، والعباس، وقد ذكر الثريا ونوأها، وتوكفا ذلك في وقتها.
ثم قال: إن من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة له من دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر، لأنه لا يصح الخلق، والأمر إلا لله، كما قال الله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤].
ومن انتظرها وتوكف المطر منها على أنها عادة أجراها الله تعالى، فلا شيء عليه، لأن الله تعالى قد أجرى العوائد في السحاب والرياح والأمطار، لمعان ترتبت في الخلقة، وجاءت على نسق في العادة. اهـ.
وقوله: كذا وكذا … هنا، كلمة مركبة من: كاف التشبيه وذا للإشارة، مكنيًا بها عن العدد، وتكون كذلك مكنيًا بها عن غير عدد، كما في الحديث:"إنه يقال للعبد يوم القيامة أتذكر يوم كذا وكذا، فعلت كذا وكذا … ".
وتكون أيضًا كلمتين باقيتين على أصلهما من: كاف التشبيه وذا للإشارة، كقوله: رأيت زيدًا فاضلاً، ورأيت عمرًا كذا.
وتدخل عليها: هاء التنبيه كقوله تعالى: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ [النمل: ٤٢] فهذه الثلاثة الأوجه المعروفة في ذلك.
ووجه المطابقة بين الترجمة والحديث من جهة أنهم كانوا ينسبون الأفعال إلى غير الله تعالى، فيظنون أن النجم يمطرهم ويرزقهم، فنهاهم الله تعالى عن نسبة الغيوث التي جعلها الله تعالى حياة لعباده وبلاده إلى الأنواء، وأمرهم أن يضيفوا ذلك إليه لأنه من نعمته عليهم، وأن يفردوه بالشكر على ذلك.
ولما كان هذا الباب متضمنًا أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكوكب في نزوله، وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجيء المطر إلا هو، عقب المصنف ﵀ هذا الباب بقوله.