(إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن) أي: كافيكم أيها المؤمنون قوله تعالى في القرآن (﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾) [الأنعام: ١٦٤ والإسراء: ١٥ وفاطر: ١٨ والزمر: ٧] أي: لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها.
(قال ابن عباس ﵄، عند ذلك والله ﴿هو أضحك وأبكى﴾ [النجم: ٤٣] تقرير لنفي ما ذهب إليه ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله، وذلك أن بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله، يظهرها فيه، فلا أثر لها في ذلك فعند ذلك سكت ابن عمر.
كما (قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر، ﵄، شيئًا). بعد ذلك، لكن قال الزين بن المنير: سكوته لا يدل على الإذعان، فلعله كره المجادلة.
وقال القرطبي ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلاً للتأويل، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك، أو كان المجلس لا يقبل المماراة، ولم تتعين الحاجة حينيذٍ.
وقال الخطابي: الرواية إذا ثبتت لم يكن في دفعها سبيل بالظن، وقد رواه عمر وابنه، وليس فيما حكت عائشة ما يرفع روايتهما. لجواز أن يكون الخبران صحيحين معًا، ولا منافاة بينهما.
فالميت إنما تلزمه العقوبة بما تقدم من وصيته إليهم به وقت حياته، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم كقول طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله … وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
وعلى ذلك حمل الجمهور قوله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، كما مر، وبه قال المزني، وإبراهيم الحربي وآخرون من الشافعية، وغيرهم، فإذا لم يوص به الميت لم يعذب.
قال الرافعي: ولك أن تقول: ذنب الميت الأمر بذلك، فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه
وأجيب: بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب، وشاهده حديث: "من سن سنة سيئة" .... وقيل: التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به، كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا: "الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة: واعضداه، واناصراه، واكسباه، جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها؟ ".
وقال الشيخ أبو حامد: الأصح أنه محمول على الكافر. وغيره من أصحاب الذنوب.
١٢٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ تَقُولُ "إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا".