بقوله: ومن أخذه بإشراف نفس. وثانيهما: كفها عن الرغبة فيه إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: بسخاوة نفس، فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس عن الحرص والشره كما كنى في الآية بتوقي النفس من الشح والحرص المجبولة عليه من السخاء لأن من توقى من الشح يكون سخيًا مفلحًا في الدارين ﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ [التغابن: ١٦] وسقط من اليونينية كما نبه عليه بحاشية فرعها لفظة: وكان. فإما أن يكون سهوًا أو الرواية كذلك (اليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) السائلة (فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وضم الهمزة أي لا أنقص (أحدًا بعدك) أي بعد سؤالك أو لا أرزأ غيرك (شيئًا) من ماله أي لا آخذ من أحد شيئًا بعدك. وفي رواية إسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت أيدي العرب (حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر) الصديق (﵁ يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى) أي يمتنع (أن يقبله منه) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما يريد ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه (ثم إن عمر) بن الخطاب (﵁ دعاه ليعطيه فأبى) أي امتنع (أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر) لمن حضره مبالغة في براءة سيرته العادلة من الحيف والتخصيص والحرمان بغير مستند: (إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) فيه أنه لا يستحق من بيت المال شيئًا إلا بإعطاء الإمام، ولا يجبر احد على الأخذ وإنما أشهد عمر على حكيم لما مرّ (فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله ﷺ حتى توفي) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس سراقة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد واحد من هذه الشروط فحرام بالاتفاق انتهى.
وقد مثل القاضي أبو بكر بن العربي للواجب بالمريدين في ابتداء أمرهم ونازعه العراقي بأنه لا يطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم الوجوب، وإنما جرت عادة الشيوخ في تهذيب أخلاق المبتدئين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك إصلاحهم، فأما الوجوب الشرعي فلا. وفي حديث ابن الفراسي مما رواه أبو داود والنسائي أنه قال: يا رسول الله أسأل؟ فقال: لا وإن كنت سائلاً لا بدّ فاسأل الصالحين أي من أرباب الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق من غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاج أعطوه مما عليهم من حقوق الله أو المراد من يتبرك بدعائهم وترجى إجابتهم، وحيث جاز السؤال فيجتنب فيه الإلحاح والسؤال بوجه الله لحديث المعجم الكبير عن أبي موسى بإسناد حسن عنه ﷺ أنه قال:"ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله" فمنع سائله ما لم يسأل هجرًا.