للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: أن يفعلها وقد غلب عليه أن الله تعالى يشاهده وهذا هو مقام المراقبة.

فقوله: فإن لم تكن تراه نزول عن مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة أي إن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية فاعبده وأنت بحيث أنه يراك، وكلٍّ من المقامات الثلاث إحسان إلاّ أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة إنما هو الأوّل لأن الإحسان بالآخرين من صفة الخواص ويتعذر من كثيرين، وإنما أخر السؤال عن الإحسان لأنه صفة الفعل أو شرط في صحته والصفة بعد الموصوف، وبيان الشرط متأخر عن المشروط قاله أبو عبد الله الآبي.

ثم (قال) جبريل (متى) تقوم (الساعة) اللام للعهد والمراد يوم القيامة. (قال: ما) أي ليس (المسؤول) زاد في رواية أبي ذر عنها (بأعلم من السائل) بزيادة الموحدة في أعلم لتأكد معنى النفي، والمراد نفي علم وقتها لأن علم مجيئها مقطوع به فهو علم مشترك، وهذا وإن أشعر بالتساوي في العلم إلا أن المراد التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلم وقت مجيئها لقوله بعد خمس لا يعلمهن إلاّ الله، وليس السؤال عنها ليعلم الحاضرون كالأسئلة السابقة بل لينزجروا عن السؤال عنها كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَة﴾ [الأحزاب: ٦٣] فلما وقع الجواب بأنه لا يعلمها إلا الله تعالى كفوًا، وهذا السؤال والجواب وقعا بين عيسى ابن مريم وجبريل كما في نوادر الحميدي، لكن كان عيسى هو السائل وجبريل هو المسؤول ولفظه: حدّثنا سفيان: حدّثنا مالك بن مغول، عن إسماعيل بن رجاء، عن الشعبي قال: سأل عيسى ابن مريم جبريل عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.

(وسأخبرك عن أشراطها) بفتح الهمزة جمع شرط بالتحريك أي علاماتها السابقة عليها أو مقدماتها لا المقارنة لها وهي: (إذا ولدت الأمة) أي وقت ولادة الأمة (ربها) أي مالكها وسيدها وهو هنا كناية عن كثرة أولاد السراري حتى تصير الأم كأنها أمة لابنها من حيث إنها ملك لأبيه، أو أن الإماء تلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعايا والملك سيد رعيته، أو كناية عن فساد الحال لكثرة بيع أمهات الأولاد فيتداولهن الملاك فيشتري الرجل أمه وهو لا يشعر، أو هو كناية عن كثرة العقوق بأن يعامل الولد أمه معاملة السيد أمته في الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازًا لذلك، وعورض بأنه لا وجه لتخصيص ذلك بولد الأمة إلا أن يقال إنه أقرب إلى العقوق، وعند المؤلف في التفسير ربتها بتاء التأنيث على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى، وقيل: كراهة أن يقول ربها تعظيمًا للفظ الرب، وعبّر بإذا الدالّة على الجزم لأن الشرط محقق الوقوع، ولم يعبر بإن لأنه لا يصح أن يقال: إن قامت القيامة كان كذا، بل يرتكب قائله محظورًا لأنه يشعر بالشك فيه، (و) من أشراط الساعة: (إذا تطاول رعاة الأبل) بضم الراء (البهم في البنيان) أي وقت تفاخر أهل البادية بإطالة البنيان وتكاثرهم باستلائهم على الأمر، وتملكهم البلاد بالقهر المقتضي لتبسطهم في الدنيا، فهو عبارة عن ارتفاع الأسافل كالعبيد والسفلة من الجمالين وغيرهم وما أحسن قول القائل:

إذا التحق الأسافل بالأعالي … فقد طابت منادمة المنايا

<<  <  ج: ص:  >  >>