وفيه إشارة إلى اتساع دين الإسلام، كما أن الأوّل فيه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الكفر وسبي ذراريهم. قال البيضاوي: لأن بلوغ الأمر الغاية منذر بالتراجع المؤذن بأن القيامة ستقوم كما قيل:
وعند التناهي يقصر المتطاول
والبُهم بضم الموحدة جمع الأبهم، وهو الذي لاشية له أو جمع بهيم وهي رواية أبي ذر وغيره، وروي عن الأصيلي الضم والفتح، وكذا ضبطه القابسي بالفتح أيضًا ولا وجه له لأنها صغار الضأن والمعز، وفي الميم الرفع نعتًا للرعاة أي السود أو المجهولون الدين لا يعرفون والجر صفة للإبل أي رعاة الإبل البهم السود، وقد عد في الحديث من الأشراط علامتين والجمع يقتضي ثلاثة، فإما أن يكون على أقل الجمع اثنان، أو أنه اكتفى باثنين لحصول المقصود بهما في علم أشراط الساعة.
وعلم وقتها داخل (في) جملة (خمس) من الغيب (لا يعلمهن إلاّ الله. ثم تلا النبي ﷺ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] أي علم وقتها، وللأصيلي وينزل (الأية) بالنصب بتقدير اقرأ وبالرفع مبتدأ خبره محذوف أي الآية مقروءة إلى آخر السورة، ولمسلم إلى قوله خبير، وكذا في رواية أبي فروة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها، وسقط في رواية قوله الآية والجار متعلق بمحذوف كما قدّرته فهو على حد قوله تعالى: ﴿فِي تِسْعِ آيَات﴾ [النمل: ١٢] أي اذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات، وتمام الآية السابقة: وينزل الغيث أي في إبانه المقدّر له والمحل المعين له، ويعلم ما في الأرحام أذكرًا أم أُنثى تامًّا أم ناقصًا، وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا من خير أو شر، وربما يعزم على شيء ويفعل خلافه، وما تدري نفس بأي أرض تموت أي كما لا تدري في أي وقت تموت. قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث، فمن ادعى علم شيء منها غير مستند إلى الرسول ﷺ-كان كاذبًا في دعواه.
(ثم أدبر) الرجل السائل (فقال) رسول الله ﷺ(ردّوه) فأخذوا ليردوه (فلم يروا شيئًا) لا عينه ولا أثره. قال ابن بزيزة: ولعل قوله ردّوه عليّ إيقاظ للصحابة ليتفطنوا إلى أنه ملك لا بشر.
(فقال)ﷺ(هذا) ولكريمة إذ هذا (جبريل)﵇(جاء بعلم الناس دينهم) أي قواعد دينهم وهي جملة وقعت حالاً مقدرة لأنه لم يكن معلمًا وقت المجيء، وأسند التعليم إليه وإن كان سائلاً لأنه لما كان السبب فيه أسنده إليه أو أنه كان من غرضه، وللإسماعيلي أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا.
وفي حديث أبي عامر: والذي نفس محمد بيده ما جاءني قطّ إلا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة، وفي رواية سليمان التيمي ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولّى.
(قال أبو عبد الله) البخاري رحمه الله تعالى: (جعل) النبي ﷺ(ذلك) المذكور في هذا الحديث (كله من الإيمان) أي الكامل المشتمل على هذه الأمور كلها.