وبالسند قال:(حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده لشهرته به المخزومي مولاهم المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أن) أبان (ابن عمر ﵄ قال: تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج) التمتع بلغة القرآن الكريم وعرف الصحابة أعم من القِران كما ذكره غير واحد وإذا كان أعم منه احتمل أن يراد به الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح الحادث وأن يراد به المخصوص باسم التمتع في ذلك الاصطلاح، لكن يبقى النظر في أنه أعم في عرف الصحابة أم لا ففي الصحيحين عن سعيد بن المسيب. قال اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة فقال عليّ: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله ﷺ تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك. فقال إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعًا، فهذا يبين أنه ﵊ كان قارنًا ويفيد أيضًا أن الجمع بينهما تمتع فإن عثمان كان ينهى عن المتعة وقصد عليّ إظهار مخالفته تقديرًا لما فعله ﵊ وأنه لم ينسخ فقرن، وإنما تكون مخالفة إذا كانت المتعة التي نهى عنها عثمان فدلّ على الأمرين اللذين عيناهما وتضمن اتفاق عليّ وعثمان على أن القران من مسمى التمتع وحينئذٍ يجب حمل قول ابن عمر: تمتع رسول الله ﷺ على التمتع الذي نسميه قرانًا لو لم يكن عنده يخالف اللفظ، فكيف وقد وجد عنه ما يفيد ما قلنا، وهو ما في صحيح مسلم عن ابن عمر أنه قرن الحج مع العمرة وطاف لهما طوافًا واحدًا ثم قال: هكذا فعل رسول الله ﷺ، فظهر أن مراده بلفظ المتعة في هذا الحديث الفرد المسمى بالقران.
(وأهدى)﵊ أي تقرب إلى الله تعالى بما هو مألوف عندهم من سوق شيء من النعم إلى الحرم ليذبح ويفرّق على مساكينه تعظيمًا له (فساق معه الهدي) وكان أربعًا وستين بدنة (من ذي الحليفة) ميقات أهل المدينة، (وبدأ رسول الله ﷺ فأهلّ) أي لبى في أثناء الإحرام (بالعمرة، ثم أهل) أي لبى (بالحج) وليس المراد أنه أحرم بالحج لأنه يؤدي إلى مخالفة الأحاديث الصحيحة السابقة فوجب تأويل هذا على موافقتها. ويؤيد هذا التأويل قوله:(فتمتع الناس) في آخر الأمر (مع النبي ﷺ بالعمرة إلى الحج) لأنه معلوم أن كثيرًا منهم وأكثرهم أحرموا أولاً بالحج مفردين وإنما فسخوه إلى العمرة آخرًا فصاروا متمتعين، (فكان من الناس من أهدى فساق) زاد في بعض الأصول معه (الهدي، ومنهم من لم يهد. فلما قدم النبي ﷺ مكة قال للناس): في رواية عن عائشة ﵂ تقتضي أنه-ﷺ-قال لهم ذلك بعد أن أهلوا بذي الحليفة، لكن الذي تدل عليه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما أنه إنما قال لهم ذلك في منتهى