﵊:(ما أنهر الدم) أي صبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وكلمة ما موصولة مبتدأ والخبر فكلوه أو شرطية والفاء جواب الشرط. وقال البرماوي كالزركشي وروي بالزاي حكاه القاضي عياض وهو غريب.
قال في المصابيح وهذا تحريف في النقل، فإن القاضي قال في المشارق ووقع للأصيلي في كتاب الصيد أنهز بالزاي وليس بشيء والصواب ما لغيره أنهر أي بالراء كما في سائر المواضع، فالقاضي إنما حكى هذا عن الأصيلي في كتاب الصيد لا في المكان الذي نحن فيه وهو كتاب الشركة وكلام الزركشي ظاهر في روايته في هذا المحل الخاص وهو تحريف بلا شك انتهى.
(وذكر اسم الله عليه فكلوه) هذا تمسك به من اشترط التسمية عند الذبح وهم المالكية والحنفية فإنه علق الإذن في الأكل بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما. وأجاب أصحابنا الشافعية بأن هذا معارض بحديث عائشة ﵂ أن قومًا قالوا إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال "سموا أنتم وكلوا" فهو محمول على الاستحباب.
وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح.
قال العلاّمة البدر الدماميني، فإن قلت: الضمير من قوله فكلوه لا يعود على ما لأنها عبارة عن آلة التذكية وهي لا تؤكل فعلى ماذا يعود؟ وأجاب: بأنه يعود على المذكّي المفهوم من الكلام لأن إنهار الآلة للدم يدل على شيء أنهر دمه ضرورة وهو المذكى ولكن لا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها فيقدر محذوف ملابس أي فكلوا مذبوحة أو يقدر ذلك مضافًا إلى ما ولكنه حذف فالتقدير مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه.
فإن قلت: يلزم عدد الارتباط حينئذ. وأجاب: بأن الربط حاصل. قال: وذلك أنّا نقدّر التركيب هكذا ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه على مذكاه فكلوا فالضمير عائد على ملتبس فحصل الربط، وقد قال الكسائي وتبعه ابن مالك في قوله تعالى: ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن﴾ [البقرة: ٢٣٤] إن الذين مبتدأ ويتربصن الخبر والأصل يتربص أزواجهم ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدّم ذكرهنّ فامتنع ذكر الضمير لأن النون لا تضاف لكونها ضميرًا وجعل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف إلى الضمير وهذا مثل مسألتنا.
(ليس السن والظفر) قال الزركشي والبرماوي والكرماني واليني ليس هنا للاستثناء بمعنى إلا وما بعدها نصب على الاستثناء. قال في المصابيح: الصحيح أنها ناسخة وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم واستتاره واجب فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب (وسأحدثكم عن ذلك) أي سأبيّن لكم علّته وحكمته لتتفقهوا في الدين (أما السن فعظم) لا يقطع غالبًا وإنما يجرح ويدمي فتزهق النفس من غير تيقن الذكاة وهذا يدل على أن النهي عن الذكاة بالعظم كان متقدمًا فأحال بهذا القول على معلوم قد سبق.