ولا تملوا من كثرة مدايناتكم (﴿أن تكتبوه﴾) أي الدين أو الكتاب (﴿صغيرًا أو كبيرًا﴾) صغيرًا كان الحق أو كبيرًا أو مختصرًا كان الكتاب أو مشبعًا (﴿إلى أجلها﴾) أي إلى وقت حلوله الذي أقرّ به المديون (﴿ذلكم﴾) الذي أمرناكم به من الكتابة (﴿أقسط عند الله﴾) أعدل (﴿وأقوم للشهادة﴾) وأثبت لها وأعون على إقامتها إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة لاحتمال أنه لولا الكتابة لنسيه كما هو الواقع غالبًا (﴿وأدنى أن لا ترتابوا﴾) وأقرب في أن لا تشكوا في جنس الدين وقدره وأجله والمشهور ونحو ذلك ثم استثنى من الأمر بالكتابة فقال: (﴿إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها﴾) أي إلا أن تتبايعوا يدًا بيد فلا بأس أن لا تكتبوا لبعده عن التنازع والنسيان (﴿وأشهدوا إذا تبايعتم﴾) هذا التبايع أو مطلقًا لأنه أحوط (﴿ولا يضارّ كاتب ولا شهيد﴾) فيكتب هذا خلاف ما علم ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو الضرار بهما مثل أن يعجلا عن أمر مهم ويكلفا الخروج عما حدّ لهما ولا يعطي الكاتب جعله والشاهد مؤونة مجيئه حيث كانت (﴿وإن تفعلوا﴾) الضرار بالكاتب والشاهد (﴿فإنه فسوق بكم﴾) خروج عن الطاعة لاحق بكم (﴿واتقوا الله﴾) في مخالفة أمره ونهيه (﴿ويعلمكم الله﴾) أحكامه المتضمنة لمصالحكم (﴿والله بكل شيء عليم﴾)[البقرة: ٢٨٢] عالم بحقائق الأمور ومصالحها لا يخفى عليه شيء بل علمه محيط بجميع الكائنات ولفظ رواية أبي ذر بعد قوله: (﴿فاكتبوه﴾) إلى قوله: (﴿واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم﴾) وكذا لابن شبويه، وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآية كلها قاله الحافظ ابن حجر.
(وقوله تعالى) في سورة النساء ولأبوي ذر والوقت وقول الله ﷿: (﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط﴾) مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته (﴿شهداء لله﴾) بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله تعالى (﴿ولو﴾) كانت الشهادة (﴿على أنفسكم﴾) بأن تقرّوا عليها لأن الشهادة بيان الحق سواء كان الحق عليه أو على غيره (﴿أو الوالدين والأقربين﴾) ولو على أقاربكم (﴿إن يكن﴾) أي المشهود عليه أو كل واحد منه ومن المشهود له (﴿غنيًّا أو فقيرًا﴾) فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة فلا تراعوا الغني لغناه ولا الفقير لفقره (﴿فالله أولى بهما﴾) بالغني والفقير وبالنظر لهما فلو لم تكن الشهادة لهما أو عليهما صلاحًا لما شرعها (﴿فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا﴾) لأن تعدلوا عن الحق (﴿وإن تلووا﴾) ألسنتكم عن شهادة الحق أو عن حكومة العدل (﴿أو تعرضوا﴾) عن أدائها (﴿فإن الله كان بما تعملون خبيرا﴾)[النساء: ١٣٥] تهديد للشاهد لكيلا يقصر في أداء الشهادة ولا يكتمها، ولأبي ذر وابن شبويه بعد قوله: ﴿بالقسط﴾ إلى قوله: ﴿بما تعملون خبيرًا﴾.
ووجه الاستدلال بما ذكره على الترجمة كما قاله ابن المنير أن المدعي لو كان مصدقًا بلا بيّنة لم يحتج إلى الإشهاد ولا إلى كتابة الحقوق املائها فالإرشاد إلى ذلك يدل على الحاجة إليه وفي ضمن ذلك أن البينة على المدّعي، ولأن الله تعالى حين أمر الذي عليه الحق بالإملاء اقتضى تصديقه فيما أقرّ به، وإذا كان مصدّفًا فالبينة على مَن ادّعى تكذيبه، ولم يسق المؤلّف ﵀ حديثًا اكتفاء بالآيتين.