وأما عدد كتبه فقال في الكواكب إنها مائة وشيء وأبوابه ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسون بابًا مع اختلاف قليل في نسخ الأصول.
وعدد مشايخه الذين صرح عنهم فيه مائتان وتسعة وثمانون. وعدد من تفرّد بالرواية عنهم دون مسلم مائة وأربعة وثلاثون. وتفرّد أيضًا بمشايخ لم تقع الرواية عنهم لبقية أصحاب الكتب الخمسة إلا بالواسطة. ووقع له اثنان وعشرون حديثًا ثلاثيات الإسناد والله سبحانه الموفّق والمعين.
وأما فضيلة الجامع الصحيح فهو كما سبق أصح الكتب المؤلفة في هذا الشأن، والمتلقى بالقبول من العلماء في كل أوان، قد فاق أمثاله في جميع الفنون والأقسام، وخصّ بمزايا من بين دواوين الإسلام، شهد له بالبراعة والتقدّم الصناديد العظام والأفاضل الكرام، ففوائده أكثر من أن تحصى وأعز من أن تستقصى، وقد أنبأني غير واحد عن المسندة الكبيرة عائشة بنت محمد بن عبد الهادي أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم عن عبد الله بن عمر بن علي، أن أبا الوقت أخبرهم عنه سماعًا قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهرويّ شيخ الإسلام، سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول: سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي يقول: سمعت أبا زيد المروزي يقول: "كنت نائمًا بين الركن والمقام فرأيت النبي ﷺ في المنام فقال لي يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعيّ وما تدرس كتابي، فقلت يا رسول الله وما كتابك، قال: جامع محمد بن إسماعيل".
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: وأما جامع البخاري الصحيح فأجلّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى. قال وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادًا للناس ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلوّ سماعه، فكيف اليوم، فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته اهـ. وهذا ما قاله الذهبيّ ﵀ في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. وروى بالإسناد الثابت عن البخاري أنه قال: رأيت النبي ﷺ وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ بها عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح. وقال ما كتبت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين. وقال خرّجته من نحو ستمائة ألف حديث وصنّفته في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقال: ما أدخلت فيه إلا صحيحًا وما تركت من الصحيح أكثر حتى لا يطول. وقال: صنّفت كتابي الجامع في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثًا حتى استخرت الله تعالى وصلّيت ركعتين وتيقنت صحته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: والجمع بين هذا وبين ما روى أنه كان يصنفه في البلاد أنه ابتدأ تصنيفه وترتيب أبوابه في المسجد الحرام، ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها، ويدل عليه قوله أنه أقام فيه ست عشرة سنة، فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة كلها.