وقد روى ابن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حوّل تراجم جامعه بين قبر النبي ﷺ ومنبره كان يصلي لكل ترجمة ركعتين، ولا ينافي هذا أيضًا ما تقدم لأنه يحمل على أنه في الأوّل كتبه في المسودّة، وهنا حوّله من المسودّة إلى المبيضّة.
وقال الفربري: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعت في الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، وأرجو أن يبارك الله تعالى في هذه المصنفات.
وقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة: قال لي مَن لقيت من العارفين عمّن لقيه من السادة المقرّ لهم بالفضل إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلاّ فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت. قال وكان مُجاب الدعوة وقد دعا لقارئه رحمه الله تعالى.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: وكتاب البخاري الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام. وما أحسن قول البرهان القيراطي ﵀:
حدّث وشنف بالحديث مسامعي … فحديث من أهوى حليّ مسامعي
لله ما أحلى مكرره الذي … يحلو ويعذب في مذاق السامع
بسماعه نلت الذي أملته … وبغلت كل مطالبي ومطامعي
وطلعت في أفق السعادة صاعدًا … في خير أوقات وأسعد طالع
ولقد هديت لغاية القصد التي … صحّت أدلته بغير ممانع
وسمعت نصًّا للحديث معرفًا … مما تضمنه كتاب الجامع
وهو الذي يتلى إذا خطب عرا … فتراه للمحذور أعظم دافع
كم من يد بيضا حواها طرسه … تومي إلى طرق العلا بأصابع
وإذا بدا بالليل أسود نقشه … يجلو علينا كل بدر ساطع
ملك القلوب به حديث نافع … مما رواه مالك عن نافع
في سادة ما إن سمعت بمثلهم … من مسمع عالي السماع وسامع
وقراءة القاري له ألفاظه … تغريدها يزري بسجع الساجع
(وقول الآخر):
وفتى بخارا عند كل محدّث … هو في الحديث جهينة الأخبار
لكتابه الفضل المبين لأنه … أسفاره في الصبح كالأسفار
كم أزهرت بحديثه أوراقه … مثل الرياض لصاحب الأذكار
ألفاته مثل الغصون إذا بدت … من فوقها الهمزات كالأطيار
بجوامع الكلم التي اجتمعت به … متفرّقات الزهر والأزهار