بتشديد الدال فهو جمع فداد وهو الشديد الصوت وذلك من دأب أصحاب الإبل وإن رويته بتخفيفها فهو جمع الفدان وهو آلة الحرث البقر، وعلى هذا فالمراد أصحاب الفدادين فهو على حذف مضاف وإنما ذم ذلك لأنه يشغل عن أمر الدين ويلهي عن الآخرة وذلك يفضي إلى قساوة القلب، وقال القرطبي: ليس في رواية الحديث إلا التشديد وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره. وقال ابن فارس: في الحديث الجفاء والقسوة في الفدادين أي أصحاب الحروث والمواشي.
(أهل الوبر)، بفتح الواو والموحدة بيان للفدادين أي ليسوا من أهل الحضر. بل من أهل البدو. قال في القاموس: المدر محركة المدن والحضر. (والسكينة) بفتح السين وتخفيف الكاف، وفي الفاموس بكسرها مشددة الطمأنينة. وقال ابن خالويه: السكينة مصدر سكن سكينة وليس في المصادر له شبيه إلا قولهم: عليه ضريبة أي خراج معلوم (في أهل الغنم) لأنهم في الغالب دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء. وفي حديث أم هانئ المروي في ابن ماجه أن النبي ﷺ قال لها "اتخذي الغنم فإن فيها بركة".
وبه قال:(حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) هو القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي مولاهم البجلي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم البجلي (عن عقبة بن عمرو أبي مسعود) الأنصاري البدري أنه (قال: أشار رسول الله ﷺ بيده نحو اليمن فقال):
(الإيمان يمان) مبتدأ وخبر وأصله يمني بياء النسبة فحذفوا الياء للتخفيف وعوضوا الألف بدلها أي الإيمان منسوب إلى أهل اليمن، وحمله ابن الصلاح على ظاهره وحقيقته لإذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف غيرهم ومن اتصف بشيء وقوي إيمانه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بكمال حاله فيه، فكذا حال أهل اليمن حينئذٍ، وحال الوافدين منهم في حياته وفي أعقابه كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني وشبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم بذلك إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله ﵊"الإيمان في أهل الحجاز" ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذٍ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه. وصرفه بعضهم عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى وردّني إليهما ردًّا جميلاً.