وحكى أبو عبيد في ذلك أقوالاً فقيل: مكة لأنها من تهامة وتهامة من أرض اليمن، وقيل: مكة والمدينة، فإنه يروي في الحديث أنه ﷺ قاله وهو بتبوك ومكة والمدينة حينئذٍ بينه وبين اليمن وأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال: الإيمان يمان فنسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذٍ من ناحية اليمن، وقيل: المراد الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره وعورض بأن في بعض طرقه عند مسلم: أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذًا غيرهم، وفي قوله في حديث الباب أشار بيده نحو اليمن إشارة إلى أن المراد به أهلها حينئذٍ لا الذين كان أصلهم منها.
(هاهنا ألا) بالتخفيف (أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين) أي المصوتين (عند أصول أذناب الأبل) عند سوقهم لها (حيث يطلع قرنا الشيطان) بالتثنية جانبا رأسه لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه أي جانبيه فتقع السجدة له حين يسجد عبدة الشمس (في ربيعة ومضر) متعلق بالفدادين. وقال الكرماني: بدل منه. وقال النووي: أي القسوة في ربيعة ومضر الفدادين، والمراد اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر كما قال في الحديث الآخر:"رأس الكفر نحو المشرق". وكان ذلك في عهده ﷺ حين قال ذلك، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو فيما بينهما منشأ الفتن العظيمة ومثار الكفرة الترك العاتية الشديدة البأس.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والمناقب والمغازي ومسلم في الإيمان.
وبه قال:(حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) هو ابن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل ابن حسنة القرشي (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال):
(إذا سمعتم صياح الديكة) بكسر الدال المهملة وفتح التحتية جمع ديك ويجمع في القلة على أدياك وفي الكثرة على ديوك وديكة (فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا) بفتح اللام رجاء تأمينه على دعائكم واستغفاره لكم وشهادته لكم بالتضرع والإخلاص فتحصل الإجابة وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين، وأعظم ما في الديك من الخواص العجيبة معرفة الأوقات الليلية فيقسط أصواته عليها تقسيطًا لا يكاد يغادر منه شيئًا سواء طال النهار أو قصر، ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده، فسبحان من هداه لذلك، ولهذا أفتى القاضي حسين والمتولي والرافعي بجواز اعتماد الديك المجرب في أوقات الصلوات.