فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار) من المعاصي والباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار لأن قوله عمل إما مفعول مطلق أو مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فزيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في عمله بعمل أهل النار (حتى ما يكون) رفع على أن حتى ابتدائية ويجوز النصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل (بينه وبينها) أي النار (إلاّ ذراع) تمثيل بقرب حالة الموت وضابط الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة (فيسبق عليه الكتاب) الذي كتبه الملك عليه وهو في بطن أمه عقب ذلك من غير مهلة (فيعمل بعمل أهل الجنة) عند ذلك (فيدخل الجنة) وموضع عليه نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه. والمراد بسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف مضاف أو المراد المكتوب، والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء الشقاوة والمكتوب في اقتضاء السعادة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبّر عن ذلك بالسبق لأن السابق يحصل مراده دون المسبوق.
(وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات (حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار). وفي الحديث إن الأعمال حسنها وسيئها إمارات وليست بموجبات، وإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في الابتداء إلى غير ذلك مما يتعلق بالأصول والفروع مما يأتي إن شاء الله تعالى الإلمام بشيء منه في القدر بعون الله تعالى.
وبه قال:(حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي بكر بن أنس) أبي معاذ (عن أنس بن مالك ﵁ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(إن الله وكّل) بتشديد الكاف (في الرحم ملكًا فيقول) عند وقوع النطفة التماسًّا لإتمام الخلقة (يا رب) بحذف ياء المتكلم هذه (نطفة) أي مني (يا رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (يا رب) هذه (مضغة) قطعة لحم مقدار ما يمضع وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكوّن منها أم لا؟ (فإذا أراد)﷾(أن يخلقها قال) الملك: (يا رب أذكر) هو (يا رب) هو (أنثى يا رب) هو (شقي) عاص لك (أم سعيد) مطيع لك (فما الرزق) الذي يعيش به (فما الأجل)؟ أي مدة حياته إلى وقت موته (فيكتب كذلك) بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًا للمفعول (في بطن أمه). ظرف ليكتب.