الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمه (فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني) ولأبي ذر وابن عساكر إنك لم تأتني بإنسان إنما أتيتني (بشيطان) أي متمرد من الجن وهو مناسب لما وقع له من الصرع زاد الأعرج. أرجعوها إلى إبراهيم (فأخدمها هاجر) أي وهبها لها لتخدمها لأنه أعظمها أن تخدم نفسها وكان أبو هاجر من ملوك القبط (فأتته) أي أتت سارة إبراهيم (وهو قائم يصلّي فأومأ بيده مَهْيَا) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء التحتية مقصور من غير همز أي ما حالك وما شأنك، ولأبي ذر عن الكشميهني: مهيم بالميم بدل الألف، ولابن السكن: مهين بالنون وكلها بمعنى (قالت) سارة (ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره) هو مثل تقوله العرب لمن رام أمرًا باطلاً فلم يصل إليه (وأخدم هاجر) وفي حديث مسلم عن أبي زرعة عن أبي هريرة في حديث الشفاعة الطويل فقال في قصة إبراهيم وذكر كذباته ثم ساقه من طريق أخرى من هذا الوجه وقال في آخره وزاد في قصة إبراهيم وذكر قوله في الكوكب هذا ربي وقوله لآلهتهم ﴿بل فعله كبيرهم هذا﴾ [الصافات: ٩١] قال القرطبي فيما قرأته في تفسيره فعلى هذا تكون الكذبات أربعة إلا أن النبي ﷺ نفى تلك بقوله: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة" ولم يعد عليه قوله في الكوكب هذا ربي كذبة وهي داخلة فيه، لأنه والله أعلم كان حين قوله ذلك في حال الطفولية وليست حالة تكليف انتهى.
وهذا الذي قاله القرطبي نقله عنه في فتح الباري وأقره وقد اتفق أكثر المحققين على فساده محتجين بأنه لا يجوز أن يكون له رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو موحد عابد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء، وكيف يتوهم هذا على من عصمه وطهره وآتاه رشده من قبل وأراه ملكوت السماوات والأرض، أفتراه أراه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكبًا قال هذا ربي معتقدًا، فهذا لا يكون أبدًا. وأيضًا فالقول بربوبية الجماد أيضًا كفر بالإجماع وهو لا يجوز على الأنبياء بالإجماع، أو قاله بعد بلوغه على سبيل الوضع فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما يقول الخصم ثم يكر عليه بالإفساد كما يقول الواحد منا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم فيقول الجسم قديم فإن كان كذلك فلم نشاهده مركبًا متغيرًا، فقوله الجسم قديم إعادة لكلام الخصم حتى يلزم المحال عليه، فكذا هنا قال (هذا ربي) حكاية لقول الخصم ثم ذكر عقبه ما يدل على فساده وهو قوله: (لا أحب الآفلين) ويؤيد هذا أنه تعالى مدحه في آخر هذه الآية على هذه المناظرة بقوله: ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه﴾ [الأنعام: ٨٣] ولذا لم تعد هذه مع تلك الثلاث المذكورة.
(قال أبو هريرة)﵁ بالسند السابق يخاطب العرب (تلك) يعني هاجر (أمكم يا بني ماء السماء) لكثرة ملازمتهم الفلوات التي بها مواقع المطر لرعي دوابهم، وقال الخطابي وقيل إنما أراد زمزم أنبعها الله لهاجر فعاشوا بها فصاروا كأنهم أولادها. وذكر ابن حبان في صحيحه إن كل مَن كان من ولد هاجر يقال له ولد ماء السماء لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي ماء السماء الذي أكرم الله به إسماعيل حين ولدته هاجر، فأولادها أولاد ماء السماء،