للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبد الله أغضبتك وأعتقتها قال أرضيت نفسي بما فعلت. وقال ورّاقه إنه كان يبني رباطًا مما يلي بخارى فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك وكان ينقل اللبن فكنت أقول له إنك تكفى ذلك فيقول هذا الذي ينفعني، وكان ذبح لهم بقرة فلما أدركت القدور دعا الناس إلى الطعام وكان بها مائة نفس أو أكثر ولم يكن علم أنه اجتمع ما اجتمع، وكنا أخرجنا خبزًا بثلاثة دراهم أو أقل، فأكل جميع من حضر وفضلت أرغفة.

ولما قدم نيسابور تلقاه أهلها من مرحلتين أو ثلاث، وكان محمد بن يحيى الذهليّ في مجلسه فقال: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدًا فليستقبله فإني أستقبله، فاستقبله الذهلي وعامّة علماء نيسابور فدخلها فقال الذهلي لأصحابه: لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه وقع بيننا وبينه وشمت بنا كل ناصبيّ ورافضيّ وجهميّ ومرجئيّ، فازدحم الناس على البخاري حتى امتلأت الدار والسطوح، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا، فوقع بين الناس اختلاف فقال بعضهم إنه قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقال آخرون لم يقل، فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار وأخرجوهم. ذكره مسلم بن الحجاج. وقال ابن عديّ لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثًا، فألح عليه فقال البخاري: القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة، فشغب الرجل وقال قد قال لفظي بالقرآن مخلوق اهـ. وقد صحّ أن البخاري تبرّأ من هذا الإطلاق فقال: كل من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب عليّ وإنما قلت أفعال العباد مخلوقة، أخرج ذلك غنجار في ترجمة البخاري بسند صحيح إلى محمد بن نصر المروزي الإمام المشهور أنه سمع البخاري يقول ذلك. وقال أبو حامد الشرقي سمعت الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجلس إلينا ولا نكلم من يذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل، فانقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة. وبعث مسلم إلى الذهلي جميع ما كان كتب عنه على ظهر حمّال، وقال الذهلي: لا يساكنني محمد بن إسماعيل في البلد فخشي البخاري على نفسه وسافر منها. قال في المصابيح ومن تمام رسوخ البخاري في الورع أنه كان يحلف بعد هذه المحنة أن الحامد عنده والذامّ من الناس سواء، يريد أنه لا يكره ذامّه طبعًا ويجوز أن يكرهه شرعًا، فيقوم بالحق لا بالخط، وتحقّق ذلك من حالته أنه لم يمح اسم الذهلي من جامعه بل أثبت روايته عنه غير أنه لم يوجد في كتابه إلاّ على أحد وجهين، إما أن يقول حدّثنا محمد ويقتصر، وإما أن يقول حدّثنا محمد بن خالد فينسبه إلى جدّ أبيه. وقد سئل عن وجه إجماله دمابقاء ذكره بنسبه المشهور، فأجاب بأن قال لعله لما اقتضى التحقيق عنده أن تبقى روايته عنه خشية أن يكتم علمًا رزقه

<<  <  ج: ص:  >  >>