للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله تعالى على يديه، وعذره في قدحه بالتأويل خشي على الناس أن يقعوا فيه بأنه قد عدّل من جرحه، وذلك يوهم أنه صدّقه على نفسه فيجرّ ذلك إلى البخاري وهنًا، فأخفى اسمه وغطى رسمه وما كتم علمه، والله أعلم بمراده من ذلك. ولو فتحنا باب تعديد مناقبه الجميلة ومآثره الحميدة لخرجنا عن غرض الاختصار.

ولما رجع إلى بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامّة أهلها حتى لم يبق مذكور، ونثر عليه الدراهم والدنانير وبقي مدّة يحدّثهم، فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الذهليّ نائب الخلافة العباسية يتلطف معه ويسأله أن يأتيه بالصحيح ويحدّثهم به في قصره، فامتنع البخاريّ من ذلك وقال لرسوله: قل له أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضر إلى مسجدي أو داري فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أي لا أكتم العلم. فحصلت بينهما وحشة فأمره الأمير بالخروج عن البلد فدعا عليه وكان مجاب الدعوة، فلم يأت شهر حتى ورد أمر الخلافة بأن ينادى على خالد في البلد فنودي على خالد على أتان وحبس إلى أن مات، ولم يبق أحد ممن ساعده إلا ابتلي ببلاء شديد.

ولما خرج البخاري من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم فسار إليهم، فلما كان بخرتنك بفتح الخاء المعجمة وإسكان الراء وفتح الفوقية وسكون النون بعدها كافٍ وهو على فرسخين من سمرقند بلغه أنه قد وقع بينهم بسببه فتنة فقوم يريدون دخوله وآخرون يكرهونه، وكان له أقرباء بها فنزل عندهم حتى ينجلي الأمر، فأقام أيامًا فمرض حتى وجّه إليه رسول من أهل سمرقند يلتمسون خروجه إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب ولبس خفيه وتعمّم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابّة ليركبها قال: أرسلوني فقد ضعفت، فأرسلوه فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى.

فسال عرق كثير لا يوصف وما سكن منه العرق حتى أدرج في أكفانه. وروي أنه ضجر ليلة فدعا بعد أن فرغ من صلاة الليل اللّهمّ قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك فمات في ذلك الشهر ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين عن اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، وكان أوصى أن يكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ففعل به ذلك، ولما صليّ عليه ووضع في حفرته فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك ودامت أيامًا، وجعل الناس يختلفون إلى قبره مدة يأخذون منه. وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النبي ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فردّ عليّ السلام فقلت: ما وقوفك هنا يا رسول الله؟ قال أنتظر محمد بن إسماعيل، قال فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا هو في الساعة التي رأيت فيها النبي ، ولما ظهر أمره بعد وفاته خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة. وقال أبو عليّ الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي قدم علينا بلنسية عام أربعة وستين وأربعمائة، قال: قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام فاستسقى الناس مرارًا فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له إني قد رأيت رأيًا أعرضه

<<  <  ج: ص:  >  >>